رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


انحدار قوي في أهمية النفط وليس أسعاره

ربما كان من المفيد أن أشير إلى الدراسات الاستشرافية حول الاتجاهات العظمى على المستوى العالمي، والتي يصدرها مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي كل أربع سنوات، آخرها صدر قبل سنتين. تلك الدراسات تتناول نحو 20 سنة مستقبلية.
حدد التقرير الأخير أربعة اتجاهات عظمى على المستوى العالمي، تلخص في أربعة: تناقص نسبة الفقر مع تزايد حجم الطبقة الوسطى، وتوزع القوة بين مراكز متعددة، وتغيرات ديموغرافية، وعلى رأسها تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الدول التي تعاني تزايد نسبة المسنين. أما الرابع فعن الموارد الحيوية (الماء والغذاء والطاقة): سيعرف العالم تزايدا في الطلب على هذه الموارد بسبب زيادة السكان من ناحية وزيادة حجم الطبقة الوسطى من ناحية أخرى، كما أن الترابط بين هذه الموارد الثلاثة سيؤثر في وفرتها. وتوقع التقرير الذي سبقه، أي تقرير 2008، حدوث تناقص قوي في أهمية مصادر الطاقة التقليدية كالنفط، نتيجة ظهور تقنيات جديدة لتوليد الطاقة من المصادر المتجددة.

ماذا بشأن أسعار النفط
تميزت أسعار النفط عبر السنين بالتقلبات، وهي شديدة الحساسية للتقلبات في العرض والطلب، مأخوذا بعين الاعتبار مدى الثقة بالوضع الاقتصادي العالمي في مجمله، وبأوضاع تكلفة البدائل وأوضاع العرض والطلب عموما. وكلما اهتزت الثقة أو تغيرت معطيات العرض والطلب ولو من باب الشائعة القوية، زادت التقلبات.
قد تشهد الأسعار الحالية مزيد انحدار بحيث تصل إلى نحو 60 - 70 دولارا للبرميل، وهذا السعر ثقيل أثره في المالية العامة في الدول النفطية. ويتضح مدى هذا الثقل إذا علمنا أن انحدار أسعار النفط بحدة خلال الأسابيع الماضية نقل قرابة 400 مليار دولار من المصدرين إلى المستوردين، على أساس انخفاض قارب 30 دولارا للبرميل، بصادرات تبلغ نحو 40 مليون برميل يوميا.
السؤال: لو وقع ذلك، أي انخفضت الأسعار إلى نحو 60 إلى 70 دولارا للبرميل، فهل نتوقع أنه مؤقت، أم أنه راسخ، بمعنى توقع ثبوته واستمراره على المدى البعيد؟
أساسيات العرض والطلب تشير إلى أن استبعاد استمراره على المدى البعيد. ومبررات هذا القول كثيرة.
أسعار في حدود 60 إلى 70 دولارا للبرميل، بأسعار اليوم، تقارب مستويات أسعار النفط قبل أكثر من عقد من الزمان، بأسعار ذلك الزمان، أي أخذا بعين الاعتبار تغير القيمة الشرائية للدولار ومعدلات التضخم. هذا يعني عودة إلى عصر النفط الرخيص، ولكن عصر النفط الرخيص (على المدى البعيد) قد ولى. الظروف تغيرت، وفقا لتقارير عديدة من ذوي الاختصاص. مثلا، قال كبير الخبراء الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، أمام حشد من مسؤولي الشركات على هامش اجتماع قمة «مجموعة العشرين» عام 2011: «انتهى عصر النفط الرخيص، علينا أن نواجه أسعاراً مرتفعة ومتقلبة للنفط في الأعوام المقبلة». ورأى حاجة لاستثمارات ضخمة لزيادة إنتاج النفط والغاز. وأفادت تقديرات وكالة الطاقة الشهر الماضي بأن العالم يحتاج إلى إنفاق 38 تريليون دولار لتلبية الطلب المتوقع على الطاقة حتى عام 2035، بزيادة 15 في المائة على توقعاتها في عام 2010 التي قدرت الحاجة بنحو 33 تريليونا.
لا شك في أن الطلب العالمي على النفط ضعيف حاليا، نظرا لضعف نسبي في النمو الاقتصادي في كتل اقتصادية كبرى كالصين والاتحاد الأوروبي.
وفي تأكيد ذلك، قالت وكالة الطاقة الدولية في الشهر الماضي إن العالم سيشهد نموا أضعف بكثير من المتوقع في الطلب على النفط في عام 2015، وتوقعت أن تسجل أسعار الخام مزيدا من الانخفاض.
إلى متى يستمر هذا الضعف؟ لا يتوقع أن يبقى مدة طويلة، فالكتل الاقتصادية الكبرى تعمل على تحفيز اقتصاداتها، ومن المتوقع نجاحها. مثلا، أعلن البنك المركزي الأوروبي قبل أيام عزمه ضخ نحو تريليون يورو رغبة في تحفيز الاقتصاد الأوروبي. هذه الخطوة تحمل قدرا من تقليد أو تطبيق خطوة مجلس الاحتياطي الأمريكي، المعروفة بالتسهيل الكمي. طبعا، هناك فروقات بين بنيتي الاقتصادين الأوروبي والأمريكي، في مدى تأثرهما من التسهيل الكمي، وهذا الفرق لمصلحة الثاني، أعني الأمريكي، ومع ذلك، من الصعب نفي تأثير التسهيل الكمي الأوروبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي