هل استفاد العرب من نفطهم؟
الانهيار المفاجئ في أسعار النفط هو اليوم حديث الأروقة الاقتصادية في الغرب. كل يوم تطالعنا الصحافة بمقالات عن مستقبل النفط ودوره في الماكينة الاقتصادية والصناعية الغربية ورفاهية شعوبها ومن سيربح ومن سيخسر إذا وصلنا إلى نقطة الهاوية التي حدثت قبل نحو 15 سنة حيث اقتربت أسعار الخام عندئذ إلى عشرة دولارات للبرميل.
الغرب متطور بشكل مذهل من ناحية الصناعة والتكنولوجيا إلى درجة أن ما كنا نتصوره غير ممكن أو ربما مستحيلا قبل عقد من الزمان صار متاحا اليوم وينتجونه بالجملة ويغطي استهلاك العالم برمته.
إذا كان أمر تطويع ما كنا نراه مستحيلا يستغرق عدة عقود في الماضي صار اليوم لا يستغرق عدة سنوات أو ربما أشهر. وتأخذ مسألة الطاقة بكافة أشكالها حيزا مهما ليس لدى أصحاب القرار وحسب بل لدى الشركات ومراكز البحث والجامعات التي تنفق بلا حساب للعمل على تخفيض استهلاك النفط بأي طريقة ممكنة.
والغربيون لهم أسبابهم للعمل الحثيث على التخلص في النهاية من النفط حيث وضعوا هدفا طموحا لهم يمكنهم من إنتاج تقريبا كل الطاقة التي يحتاجون إليها وهي هائلة جدا دون الاعتماد على الطاقة الهيدروكاربونية والنفط ركيزتها في غضون خمسة إلى ثمانية عقود من الآن.
لا يمر يوم تقريبا إلا وتقرأ عن بحث جديد واكتشاف جديد لتقليل الاعتماد على النفط. الحكومة في السويد مثلا – والسويد من أكثر بلدان العالم تطورا في الطاقة البديلة والمستجدة – تسمح بخصومات كبيرة وتعفي من نسب ضريبية عالية لكل شخص أو شركة يستخدم أو يطور طاقة لا تستند إلى النفط.
ومن ناحية أخرى وكمرحلة مؤقتة لم تمل ولو للحظة، شركات الطاقة العملاقة من البحث عن وسائل عملية لزيادة إنتاج النفط. مفارقة عجيبة وغريبة. من جهة يذمون النفط في أدبياتهم وينسبون إلى استخدامه المكثف تقريبا كل المشاكل البيئية التي يعانونها. ومن جهة أخرى يعملون ما بوسعهم لزيادة الإنتاج وبمعدلات عالية للنفط الصخري ورمال القطران لأمريكا الشمالية.
وإن صدقنا تنبؤاتهم حول الإنتاج الوفير للنفط الصخري الذي في رأيهم قد لا ينضب فإن الدول المنتجة التقليدية أمام وضع لا تحسد عليه. وإن آمنّا بأن التكنولوجيا الغربية قد تصنع المعجزات وهذا ما فعلته بتحويل الصخر والرمال إلى نفط فإن أي جهد من الدول المنتجة التقليدية للحصول على أسعار مجزية لنفوطها قد يصبح أمرا من الماضي.
بيد أن ما يقلقني في كل ما أقرؤه في هذا المضمار هو أن الدول الغربية لا تكترث البتة لما سيحدث للدول النفطية إن تهاوت أسعار النفط وما قد يحصل لشعوبها التي تعتمد بدرجة كبيرة على مدخولاتها منه.
الدول النفطية الكبيرة قدمت تضحيات كبيرة للغرب كي تحافظ على معدلات إنتاج وأسعار تلبي متطلباته. ولكن الغرب لا يتعامل بالمثل لأن مصالحه تأتي في المقدمة دائما.
ولا أظن أن العرب استخدموا نفطهم بحكمة. منّ الله عليهم بنعمة كبيرة ولكن لم يستفيدوا منها كثيرا. دول منتجة رئيسة مثل العراق وليبيا أصبحت دولا فاشلة ولحقتها دول شبه نفطية مثل سورية واليمن.
أما دول الخليح العربي فالحديث عنها ذو شجون لأن تركيبتها وبناها الاقتصادية من حيث العمالة وتوطين الصناعة والزراعة والخدمات لا أظن أنها ستتحمل نكسة كبيرة وطويلة المدى لأسعار النفط.