رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


برامج تحفيز كفاءة الطاقة .. تمهيد لإصلاح الدعم المترهل

تصميم برامج التحفيز يعتمد على الأهداف المرحلية ومؤشرات الأداء المرسومة من قبل القائمين على البرنامج العام لكفاءة الطاقة كخفض مستوى الطلب الذروي المتوقع على الكهرباء بنسبة معينة أو خفض مستويات كثافة الطاقة إلى جانب معايير أخرى. وللوصول إلى تلك الأهداف لا بد من التعامل مع الكثير من التفاصيل والتحديات الثقافية. أما الغرض الرئيس من برامج تحفيز كفاءة الطاقة فهو الوصول لحالة تحول نوعي في الأسواق من خلال رفع معدلات انتشار كل من الأجهزة والتقنيات الكهربائية ووسائل النقل ذات الكفاءة العالية إضافة إلى المواد التي تساعد على خفض استهلاك الطاقة (كمواد العزل الحراري)، وذلك على حساب الحصة السوقية للأجهزة والمعدات ذات المواصفات الرديئة.
سوقنا المحلية في أمس الحاجة إلى التخلص من تلك التقنيات والأجهزة الرديئة حيث تشكل حصتها النسبة العظمى. فحصة المكيفات المخالفة للمواصفات، على سبيل المثال، التي تستهلك ما بين 40 و50 في المائة من كامل استهلاك المباني للكهرباء، تشكل 60 في المائة من كامل المكيفات المستخدمة حاليا. هذا عدا حقيقة أن باقي المكيفات المطابقة تعتبر قريبة من المواصفات الدنيا لغياب الحوافز اللازمة التي حدت من انتشار مكيفات ذات مواصفات جيدة. يمكننا تلخيص ثلاثة عوامل رئيسة ساهمت في وجود هذه الأجهزة الرديئة. العامل الأول هو ضعف الرقابة على منافذ الأسواق وعدم الالتزام بالمواصفات الدنيا المسموح بها لدخول تلك التقنيات. العامل الثاني مرتبط بغياب ونقص المعلومات التي يحتاج إليها المستهلك لفهم خياراته المتاحة من خلال المقارنة بين الأجهزة والتقنيات الكهربائية المختلفة. العامل الأخير يتمثل في التباين الواضح بين أسعار التقنيات ذات الكفاءة العالية وأسعار الرديئة منها. الواضح أن "كفاءة" تعاملت باحترافية مع العاملين الأولين من خلال الحملات التوعوية المكثفة وتوفير أهم المعلومات الخاصة بجودة استهلاك الطاقة للأجهزة والتقنيات ذات الاستهلاك الكثيف.هذا إلى جانب تحديث ورفع المواصفات الدنيا بشكل تدريجي لتلك التقنيات وإلزام التجار بوضع بطاقات كفاءة الطاقة التي تحوي معلومات وبيانات تساعد المستهلك على فهم خياراته. وسنرى قريبا إلزام موردي ووكلاء السيارات بوضع بطاقات توضح قيم اقتصاد الوقود للمركبات تمهيدا لرفع معدلاتها المنخفضة.
إلا أن أبرز العوائق التي تحد من مستوى انتشار التقنيات ذات الاستهلاك الجيد هو التفاوت الواضح بين أسعارها وأسعار الرديئة منها الأمر الذي يقلل من نسبة فرص شراء واقتناء هذه الأجهزة من قبل المستهلك.والثابت أنه حتى لو تم إقناع المستهلك بأن اقتناء الأجهزة الجيدة سيؤدي إلى وفورات ملموسة على مدى سنوات عدة فإن طبيعة هذا المستهلك ستحثه على اختيار التوفير اللحظي والفوري. ويبدو أن هذا الواقع ينطبق إلى حد كبير على مجتمعنا خاصة وأن ثقافة الادخار تعتبر ضحلة جدا لدينا.هذا إلى جانب حقيقة أن تعرفة الكهرباء تعد منخفضة نسبيا إذا ما قورنت بالمعدلات العالمية وهذا الأمر وحده يقلل من فرص إقناع المستهلك باقتناء هذه التقنيات المراد رفع معدلات انتشارها.
هنا تكمن أهمية دور برامج التحفيز التي تعتبر وسيلة مثالية للتعاطي مع هذه التحديات السعرية وذلك من خلال دعم عدة جهات على طول خط الإمداد بهدف رفع مستويات الطلب على تلك التقنيات الجيدة وخفض تكاليف إنتاجها وبيعها.أغلب الممارسات العالمية تشير إلى أن برامج تحفيز كفاءة الطاقة تستهدف دعم ثلاث جهات ابتداء من المصنَعين ومرورا بالموزعين والموردين وانتهاء بالدعم المباشر للمستهلك نفسه لإحلال التقنيات الرديئة بالأعلى كفاءة. دعم أيّ من الثلاث يحمل العديد من الفرص والمخاطر التي يجب التنبه لها. وكما سنرى في سلسلة مقالات إصلاح هيكلة دعم الطاقة المترهلة، فإن نجاح تلك البرامج المكلفة ليس مرهونا باقتناع أصحاب القرار والتأثير في قيمتها الاقتصادية المضافة وتخصيص الموارد اللازمة فحسب، بل إن نجاحها مرهون بالتصميم والإعداد المناسب لتلك البرامج بناء على فهم عميق لتحدياتنا الثقافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي