رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تغريدتان، ليستا مجرد تغريدتين

هما تغريدتان مرتا عليَّ لا أحفظهما بالحرف، ولكن بالمعنى، وتركتا أثرا عميقا في قلبي وعقلي.. وضميري.
التغريدة الأولى:
"لو كنت قاضيا وتعرض شاب لفتاة يتحرش بها، وقال الشاب إنها أغوتني بعطرها وسفورها، لحكمت على الفتاة مرتين، لأنها تعطرت، ولأنها عرضت اللحم للهر".
هذه التغريدة فتحت عيوني بأصابعي لأعيد قراءتها وأنا كمن استيقظ على انفجار مزعج في غرفة صامتة. هل يعتقد صاحب التغريدة أنه حكم على الفتاة؟ بل الحكم- الإهانة بتغريدته كلها صب على الرجل عموما، وليس فقط ذلك الذي تحرش.
انظروا للتصور عن الرجل الذي يحمله صاحب التغريدة في ذهنه. تصوره أن الرجل لا يملك عقلا يدبر تصرفه، ولا يملك حسا ولا ضميرا ولا ضبطا لأعصابه، وإنما هو مندفع غريزيا لا يكبحه شيء، ويثيره مجرد عطر في الهواء، أو ملامح امرأة بدت أمامه، فإذا هو بلا تفكير، بلا صفة إنسانية، بلا وعي أخلاقي، بلا رادع ديني، ينقض على المرأة.. ويتصور صاحب التغريدة أن هذا شيء طبيعي ومخول له بأمر الغرائز والهرمونات المضطربة في جسده، ما دام أنفه شم عطرا يطير في الهواء. فالرجل هنا مثل النمر الذي يختفي وراء دغل، تحثه غريزة الجوع على الكمون بانتظار أي ضحية تمر أمام دغله لينقض عليها بدافع غريزة صماء من كينونة حيوانيته. ولعلنا نظلم النمر المتوحش الضاري، فلا له عقل، ولا وعي، ولا أخلاق، وأن الله -تعالى- وضع فيه هذه الغريزة والطبع للبقاء، تحتمها دورة الحياة التي أرادها اللهُ في الطبيعة. ومقارنة، الرجل هنا أقل من وحش الفلاة قدرا وطبعا وسلوكا، لأن الرجل زود بالعقل لوزن القرار، ليعيش ضمن منظومة اجتماعية متحضرة، وأن تعاليم دينه تردعه عن فاحشة ومعصية. لم أرَ أكثر إهانة للرجل من هذه التغريدة، ويود صاحبها أن يكون قاضيا؟!
التغريدة الثانية:
" قبل ثلاثة أيام كنت أتمنى بيتا أملكه مع عائلتي، وأتمنى زيادة في الراتب، وكنت أتمنى أن أنهي القروض التي علي.. الآن كل ما أتمناه أن تشفى ابنتي من السرطان".
هذه أعظم تغريدة عن أعظم حزن وخوف وجزع قرأتها فيما أتذكر مما قرأت. كنت أعتقد أن أعظم رسالة حزن اتفق عليها الأدباء والنفسانيون تلك الرسالة التي تركتها الكاتبة الإنجليزية "فرجينيا وولف" لزوجها التي أحبته أكثر من أي شيء قبيل انتحارها. ولكن هذه التغريدة أعظم من رسالة فرجينيا وولف تأثيرا، وأعمق حزنا، وأنبل مقصدا، وأرقى مسلكا في التعبير عن الخوف عند قمة التعلق والحب. لم أنجح ولا مرة واحدة في قراءة التغريدة بدون أن أجهش بالبكاء. لم أرد إزعاج والدتي التي تسمي السرطان بمرض الرحمة، فكل ما يأتي من الله رحمة، ولكني طلبتها من قوة أثر التغريدة في جناني، وكأني الأب وابنته ابنتي أنا، ودعت لها أمي التي أحسن الظن بأن الله يحبها ويستمع لدعواتها. اللهم اشف ابنتنا، حبيبتنا الصغيرة، وارفع عنها، والطف بأمها وأبيها، والطف بنا، فالتغريدة شقت قلوبنا وزرعت حبها في أعماقها، وأسعدهم بها صحيحة متعافية موفورة الصبا، وأسعدها بهم.‏

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي