التغيرات الاجتماعية والحروب الشرسة
منذ وجدت البشرية على البسيطة وهي تمر بتحولات فكرية وعقدية، وكذا في أنماط معيشتها، ووسائل وأدوات تحقيق المعيشة، وما هذا التفاوت بين المجتمعات في عاداتها، وتقاليدها، ونظمها، ومستواها الاقتصادي إلا نتيجة هذه التحولات التي تمر بها حسب سرعة التغير، فمجتمعات قابلة للتغير السريع، وأخرى تغيرها بطيء، إما لانعزالها عن المجتمعات الأخرى، وقلة تواصلها، واحتكاكها بالمجتمعات الأخرى، أو بسبب ممانعتها، ورفضها لما هو جديد، لأسباب إما فكرية، أو ثقافية، أو اقتصادية، لكن هذا الوضع لم يعد قائما على إطلاقه في الوقت الراهن.
مع انتشار التقنية الحديثة، وسيطرتها على الساحة في المجالات كافة، ومع توافر وسائط التواصل الاجتماعي سهل الاتصال بين الناس سواء كانوا في وطن واحد، أو من عدة أوطان متباعدة، وهذه ليست بإشكالية لكن الإشكالية توجد في المحتوى، والمضمون الذي يتم تداوله بين الناس، أو نشره في هذه الوسائط المفتوحة للجميع بغض النظر عن أعمارهم، ومستويات إدراكهم، وقوة مناعتهم الفكرية، والثقافية، والعقدية.
لو قدر لأي منا الدخول في أي من الوسائط الاجتماعية، مثل "فيسبوك"، أو "تويتر"، ودخل في بعض المواقع عمدا، أو خطأ سيفجع بالكم المعروض من المعارف، والأفكار، وأساليب الحياة التي يعيشها البعض، ويسوق لها إما كتابيا أو صورا ثابتة، أو على هيئة أفلام ومقاطع فيديو.
انكسار الحواجز وسقوط الجدر الفاصلة سهل فرصة اطلاع الكثير من الناس على هذه البضائع المعروضة، وبلا مقابل سواء كانت هذه البضائع ثمينة، ومفيدة، أم أنها رخيصة، وضارة. هذه الوسائط أصبحت ساحة حرب منها المعلن، ومنها الخفي، المعلن يكون بين ذوي التوجهات الفكرية، والدينية، والمذهبية، والسياسية المختلفة، أو بين ذوي المصالح المتعارضة، ولذا تكثر الردود، ويستخدم في الحرب المعلنة إما أسماء صريحة، أو أسماء مستعارة مع استخدام البعض للشتم، والسب، والقذف لمن يختلف معه، دون مراعاة لذوق التخاطب، ولا الآثار السيئة التي تنعكس عليه هو باستخدامه اللغة البذيئة. المهم بالنسبة له إيقاع الهزيمة في الخصم وإثبات خطأ رأيه، أو مذهبه، أو منهجه.
الحرب الخفية تتمثل في ما يمكن تسميته بغزو لا يمكن وصفه إلا بأنه إعصار مدمر يستهدف خلخلة، وتدمير البنية الأخلاقية، والفكرية، ومنظومة الثقافة الجامعة، التي يلتف حولها معظم الناس، قادة الحرب هذه يستخدمون الكلمة، والصورة، والفيلم، ومقطع الفيديو، كما يستخدمها أنصار الحرب المعلنة، والمباشرة، إلا أن قادة الحرب الخفية يعرضون بضاعتهم بأسلوب ترغيبي جذاب مباشر مسقطين بذلك كل الحواجز والسواتر، خاصة وهم يدغدغون الغرائز، ويستثيرونها بالوسائل كافة.
الملاحظ في هذه البضاعة أنها في الغالب موجهة لأبناء الخليج العربي، وعندما أقول هذا لا يعني أن الآخرين لا يمكنهم مشاهدة ما يعرض، لكن المقصود أن استخدام أسماء الأشخاص الشائعة في المنطقة، مثل أبو علي أو أبو عبد الله، أو استخدام مفردات يشيع استخدامها مثل «عباة» التي ينتشر استخدامها من قبل نساء المنطقة، ويتقمص أصحابها شخصية الإنسان الخليجي. أعتقد أن معظم هذه البضاعة العفنة والرديئة يقف وراءها أناس خارج المنطقة، لكن مصالحهم تقضي بتدمير أبناء المنطقة فكريا، وأخلاقياً، وصرفهم عن المعالي والإنجازات الحضارية النبيلة، وذلك بإلهائهم بهذه البضائع الرديئة والمدمرة للفرد والمجتمع.
أسلوب استخدام أسماء، ومفردات من البيئة أسلوب ناجح في كثير من الأحيان، حينما يخاطب الشباب، والأطفال، وقليلي النضج، فهو يوحي للقارئ، أو المشاهد، ويخاطبه شعوريا، ولا شعوريا بأن هذه حياة أبناء وطنك، وأبناء جلدتك، وأنها ممارسات اعتيادية، وبهذا ينكسر حاجز الحياء، وتبدأ تضعف القيم التي تشكلت لدى الفرد، ومن ثم تتحلل. ما من شك أن الجهات المعنية تحاول جهدها لحجب المواقع، لكن من المؤكد أن أصحابها لديهم من الحيل، والأساليب ما يمكنهم من نشر فسادهم، وإفسادهم، ولذا لا بد من مشروع وطني يمكن من خلاله تخفيف الأضرار حتى لا نفاجأ بجيل مدمر ليس له نصيب في الأهداف السامية.