الأيتام مجهولو النسب وضرورة تدخل هيئة حقوق الإنسان
كل من له علاقة من قريب أو من بعيد بالأيتام مجهولي النسب يعرف أن الدولة لم تقصر في رعايتهم اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا وصحيا فالدولة تبذل بسخاء على هذه الفئة من أبنائها ليكونوا سواعد بناء كغيرهم من إخوانهم المواطنين مؤهلين ومستقرين نفسيا، إلا أنه مع الأسف الشديد فالوضع خلاف ما تنشده الدولة وتبذل عليه بسخاء إذ إن هذه الفئة من أبناء الوطن تعاني نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ومعظم أبنائها ضمن فئة "اليد الدنيا" في المجتمع، وكل ذلك لا يعكس إنفاق الدولة ورعايتها.
أحد العاملين في مجال رعاية الأيتام من هذه الفئة قال لي إن هذه الفئة تمر بثلاث إلى أربع مراحل من الرعاية، أولاها الحضانة وتستمر منذ دخول اليتيم الحضانة حتى سن تسع سنوات، ثم مرحلة ما يمكن أن يسمى مرحلة النشأة والمراهقة والنضج وتمتد من بعد تسع سنوات إلى 22 سنة، ثم المرحلة الأخيرة التي يخرج فيها اليتيم إلى الحياة وتتم متابعته ودعمه وهي من بعد سن 22 سنة إلى 30 سنة. وهذه المراحل، عدا الأخيرة، إما أن تكون في مؤسسات الرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون أو لدى أسرة حاضنة وفق شروط معينة ومتابعة من قبل مشرفي الوزارة.
ويضيف أن معظم هؤلاء، خصوصا من هم في مؤسسات الرعاية، يعانون نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ويعانون منظومة قيم ومفاهيم مختلة، وترسخ في أذهان معظمهم أنهم فئة ضعيفة يجب رعايتها حتى الممات كما هو حال العجزة والمعوقين. هذا لا يعني أن من تتبناه أسرة ذو وضع أفضل، إذ إن هؤلاء أيضا يعانون إلا من رزقهم الله بأسرة ميسورة واعية تحمل قيم ومفاهيم الرحمة والعطاء، وأفرادها ذوو صلة قوية بالله ويتقربون لله برعاية هذا اليتيم، ويؤكد لي أن بعض الأسر الحاضنة المؤمنة بهذه الخدمة الإنسانية التي تقربها لله تحرص على اليتيم وتعتني به كأبنائها أو أكثر من ذلك.
يضيف أيضا أن اليتيم من هذه الفئة تعرض للإيذاء بصورة أو بأخرى في مرحلة معينة من مراحل حياته، وأن ما تعرض له ذو أثر بالغ في نفسيته حيث أصبح ما تعرض له من إيذاء مانعا نفسيا يمنعه العيش الطبيعي والعيش بعزة وكرامة واحترام للنفس كما هو حال الآخرين، ويؤكد أن ضعف إيمان العاملين في كل مراكز الوزارة بدورهم الإنساني تجاه هذه الفئة جعلهم يتعاملون معهم بطريقة غير مهنية ينقصها الكثير من الإنسانية والشعور بالمسؤولية ما أدى لمعاناتهم النفسية وشعورهم بالدونية والضعف واستكانتهم لذلك وطلبهم للرعاية المستمرة التي تمتد حالياً لسن 30 عاما، وهي رعاية تمتد لسنوات طويلة تتجاوز ما تقدمه أي أسرة لأبنائها باعتبار أن من يطلب الرعاية لهذه السن هو ابن فاشل لا يستحقها.
لم يصرح هذا الرجل بالفساد وأشكاله المالية أو الإدارية والأخلاقية ودرجة كل شكل منها، ولكنه لمح بما يكفي لفهم أسباب ندرة المستقلين استقلالا كاملا من هذه الفئة القادرين على رعاية أنفسهم ومصالحهم والتدرج في الأعمال كغيرهم والاندماج في المجتمع، وندرة من يتمتع منهم بمنظومة أخلاقية ترتقي به لمصاف الأيدي المنتجة المتعففة المعطاءة إضافة لندرة المتفوقين من هذه الفئة التي ترسبت في نفوسها منظومة أخلاقية غير لائقة إذ إن مجموعة كبيرة منهم أصبحوا كمجموعة من المتسولين الذين يرشدون بعضهم بعضا لأماكن التسول من قبل المحسنين، كما يرشدون بعضهم للحيل التي تستدر عطف هؤلاء المحسنين في المواسم الخيرية كرمضان والأعياد والمدارس والشتاء والصيف لكي يدعموهم ماليا لشراء الملابس والأجهزة والسيارات وإصلاحها ودفع الإيجارات، بل حتى دفع المخالفات المرورية وغير ذلك من المصروفات.
من وجهة نظري أن هذه الفئة الكاملة جسديا وذهنيا وتحظى برعاية الدولة كاملة وتمنح الهوية الوطنية كغيرها من المواطنين تعاني بشكل كبير سوء التربية وليس سوء الرعاية فقط، وكلا السوءين يعودان للثقافة المؤسسية لمراكز الرعاية والعاملين فيها التي تتطلب معالجة واستبدالها بثقافة تتناسب ورعاية وتربية الأيتام إذ لا يعقل أن تكون هذه المؤسسات دون ذلك. المعروف أن الأسرة التي تسيء رعاية وتربية أبنائها تأخذهم مراكز الشؤون لحمايتهم فكيف إذا كانت هذه المراكز تسيء الرعاية والتربية.
بغض النظر عن دقة أو عدم دقة ما نقل لي وما سمعته من أكثر من مصدر وما أطلعت عليه بالوسائل الإعلامية بما في ذلك القصص الجميلة لموظفين في هذه المراكز حباهم الله بالإنسانية العالية حتى أنهم لعبوا دور الأب الحقيقي وتحملوا مسؤولياتهم خارج أوقات دوامهم وبذلوا من مالهم وجاههم لرعاية وتربية وحماية وتوظيف هؤلاء الأيتام طلبا للأجر من الله قبل الأجر الدنيوي الذي يتلقونه من وزارة الشؤون، أقول بغض النظر عن ذلك، أتطلع إلى أن نرى جهة أخرى معنية بالحقوق وهي هيئة حقوق الإنسان تتدخل وتخرج لنا بالدراسات الميدانية المتجردة وغير المتأثرة وعلى أرض الواقع وبقوة النظام، لنطلع على بيانات الأعداد والأعمار والمصاريف والأثر ومقارنة ذلك بالمعايير الدولية لرعاية هذه الفئة وتربيتها.
أيضاً يمكن لهيئة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان كذلك الاستعانة بجمعية الأمان الأسري لتأهيل الموظفين في هذه المراكز وتوعيتهم بأنواع الإيذاء ودلائله وكيفية تجنبه والأنظمة المرعية بذلك على أن تقوم الجمعية من خلال أدواتها وعلاقاتها بحماية كل الأيتام من أي نوع من أنواع الإيذاء الجسدي أو النفسي وفق المعايير الدولية.
ختاماً كلي أمل أن تبادر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي يحرص وزيرها وقيادتها كل الحرص على هذه الفئة من أبناء الوطن، بدعوة هيئة وجمعية حقوق الإنسان وجمعية الأمان الأسري والنشطاء في مجال حقوق الإنسان والحماية من الإيذاء لدعمها ومراقبة الأداء والإنجاز لما فيه مصلحة هذه الفئة ومصلحة الوطن في المحصلة.