رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مكامن النفط .. بحيرات دون روافد

حديثنا في هذا المقال عن مكامن ومستقبل النفط وعن الإنتاج النفطي الذي هو بحق عصب الحياة في هذا العصر، ونخص بذلك النفط التقليدي المتميز بغزارة الإنتاج وتدني التكلفة. فهو يغذي الاقتصاد العالمي اليوم بما لا يقل عن 80 في المائة من إمدادات مصادر الطاقة النفطية. وتبعا لذلك، نحن نستنزفه بشكل مخيف لا يتناسب مع محدودية كمياته القابلة للإنتاج وسرعة النضوب. وهناك عدة عوامل تلعب دورا سلبيا وتساعد على إخفاء الكثير من المعلومات والحقائق المهمة التي تتعلق بمستقبل الإنتاج والعمر الاقتصادي للحقول ومصير المجتمع الدولي عندما ينتقل الوضع إلى مرحلة ما بعد ذروة الإنتاج، ومتى يحين الوقت المناسب لاستخدام البدائل على نطاق واسع. ولعل أهم وأخطر تلك العوامل هو محاولة إخفاء المعلومة الصحيحة عن الشعوب الذي يمارسه الكثيرون من المسؤولين حول العالم، وعلى وجه الخصوص الدول الكبرى، سواء عن حسن نية أو سوء نية، وذلك خوفًا من ردود أفعال شعبية تسبب الهلع والفزع وتقود إلى فوضى جماهيرية عارمة يصعب السيطرة عليها. وهذا التصرف يشبه المسكن الذي يتناوله المريض، ولكن سرعان ما يزول مفعوله ليعود الألم إلى أعظم من سابق عهده. فنلاحظ أن نتائج بعض الدراسات الاستراتيجية التي تعنى بمستقبل مصادر الطاقة مسيسة والاحتياطيات النفطية محاطة بغموض كثيف يخفي معالم الشفافية. وما عليك إلا أن تلقي نظرة سريعة على احتياطيات أغلب الدول المنتجة للنفط لتجدها لم تتغير منذ ما يقارب 30 عاما، رغم ضخامة كميات الإنتاج خلال العقود الثلاثة الماضية وعدم الوصول إلى اكتشافات نفطية كبيرة. وإلى جانب عدم الشفافية، فهناك أيضا ما يشير إلى احتمال تضخيم أرقام الاحتياطيات دون أي مبرر. ولنأخذ إحدى دول الأوبك كمثال. ففي عام 1984، كان احتياطي هذه الدولة من النفط التقليدي لا يتجاوز 28 مليار برميل. وفي عام 1985، أي بعد عام واحد فقط، ارتفع فجأة إلى 55 مليار برميل، دون أن تعلن هذه الدولة اكتشافات جديدة. وفي عام 2008 رفعت احتياطيها إلى 172 مليارا. وختمت منظومة رفع الاحتياطي إلى 296 مليارا بعد عامين فقط من الحركة التي قبلها. واللافت للنظر أن نسبة كبيرة من الإضافات المتأخرة لا تخضع لمقاييس النفط التقليدي، أي أنها من النوع غير التقليدي المكلِّف وقليل الإنتاج. ولذلك، فمن الملاحظ أن تلك الإضافات المتوالية، على ضخامتها، لم تساعد على رفع كمية إنتاج الدولة المعنية. وهي ليست الدولة الوحيدة التي أضافت احتياطيا كبيرا من غير التقليدي إلى التقليدي، فكندا، وهي ليست عضوًا في منظمة الأوبك، عملت الشيء نفسه قبل سنوات قليلة.
ويقدر الاحتياطي العالمي المتبقي من النفط التقليدي بما يقارب تريليونا وستمائة مليار برميل، بما في ذلك الإضافتان من غير التقليدي اللتان ذكرناهما آنفًا. فإذا استثنينا غير التقليدي من المجموع وحاولنا تصحيح تقدير الكميات المضخمة من التقليدي لحصلنا على رقم هو أقرب إلى الواقع في حدود 800 مليارا إلى تريليون برميل من النفط التقليدي الذي يغذي حاليا معظم متطلبات الاقتصاد العالمي. ويبلغ الاستهلاك السنوي الحالي من النفط الخام بين 28 و29 مليار برميل. ولو قسمنا مليار برميل على كمية الاستهلاك السنوي لوجدنا أن ما تبقى من عمر التقليدي لا يزيد على 35 عاما، وينتهي شهر العسل. ولكن هذه الطريقة لا تمثل الواقع. فعمر النفط التقليدي أطول من ذلك بأضعاف كثيرة لسبب بسيط وهو أن كمية الإنتاج لن تظل عند المستوى الحالي لمدة طويلة، بل سوف تتناقص مع مرور الوقت، وهو ما سوف يطيل من عمر النفط. ولكن نزول كمية الإنتاج لها تأثيرها المباشر والسلبي في الاقتصاد العالمي، إذا لم يكن هناك ما يعوض النقص المحتمل. ومن المرجح ألا يكون لدينا ما يكفي من النفوط غير التقليدية ومصادر الطاقة المتجددة عندما يتضاءل إنتاج التقليدي الرخيص استجابة لسنن الحياة. وهذا ما نحذر من حدوثه ومن عدم منحه ما يستحق من الاهتمام والاستعداد، ربما بسبب التفاؤل المفرط وقبول التقديرات التي لا تمت إلى الواقع بصلة.
ومع ذلك، فهم قليلون في عالمنا الذين ينظرون إلى المصادر النفطية، خصوصا التقليدية منها التي تتميز بتدني التكلفة وغزارة الإنتاج، على أنها محدودة الكمية وسريعة النضوب نتيجة للاستنزاف الهائل الذي تتعرض له منذ اكتشافها. وفحوى عنوان المقال، أن الكثيرين يصعب عليهم إدراك مغزى أن التجمعات النفطية ليست لها روافد تمدها بما يقابل إنتاجها. فما يتم استهلاكه ليس له تعويض. وعندما نفقد نسبة كبيرة من النفط التقليدي ونتحول إلى البدائل المتجددة وإلى المصادر النفطية غير التقليدية المكلفة فسوف يضطر المجتمع الدولي إلى تغيير نمط الحياة من الرفاه والإسراف ورغد العيش إلى نوع من التقشف، في معظم أمور حياتنا. وهذا سوف يسبب صدمة عنيفة للمجتمعات التي اعتادت على قمة الرفاه والمستوى المرتفع للمعيشة، وفي غياب شبه كامل للتخطيط لما بعد العصر الذهبي للنفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي