تناقض الفتوى تشوش ذهني وارتباك
بهدف توزيع الثروة وإعطاء أكبر عدد من المواطنين الفرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية والحياتية اعتمدت الدولة منذ فترة ليست بالقصيرة إيجاد الشركات المساهمة، إلا أن مثل هذه الفرص لم يكن يدرك أحد قيمتها خصوصا سكان الريف وقليلي الخبرة في القنوات الاقتصادية الحديثة، لذا كانت الفرص محدودة في سكان المدن ومن لديهم الوعي والسيولة المادية في ذات الوقت.
خلال الفترة الماضية وبعد الإعلان عن الاكتتاب في أسهم المصرف الأهلي كثر الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحف والقنوات الفضائية عن حرمة وحل الاكتتاب في هذا المصرف، حيث تصدى لتناول الموضوع متخصصون اقتصاديون، وشرعيون، ومتابعو الصحف ليس بالضرورة أن يكونوا ملمين بالمعرفة الشرعية أو التخصصية في مجال المال والاقتصاد، حتى إن البعض غلّب النظرة الفردية المجردة من الاعتبارات الشرعية، وكذا الاعتبارات الاقتصادية متجاهلين ثوابت اجتماعية تؤثر على اختيارات الناس وقراراتهم.
وحيث أدلى كل بدلوه في الموضوع اختلط الحابل بالنابل خاصة حين تصدر فتاوى متناقضة كما حدث بين الهيئة الشرعية في المصرف التي سوغت الاكتتاب في المصرف لاعتبارات الانضباط في جوانب ووعود من المصرف بتلافي الجوانب الأخرى، إلا أن فتوى أخرى صادرة من هيئة كبار العلماء رأت حرمة الاكتتاب في المصرف، وما من شك أن الجمهور وعامة الناس سيجدون حرجا إزاء هذه التناقضات خاصة أنها صادرة من مرجعيات شرعية، بل إن أحد أعضاء الهيئة الشرعية في المصرف عضو في هيئة كبار العلماء.
العوامل التي تشجع على الاكتتاب في أي شركة أو مصرف متعددة، يدخل فيها توافر المال لدى الفرد، والوعي بأهمية الاكتتاب بهدف تنويع مصادر الاكتتاب، والعلم بطرح الاكتتاب، إضافة إلى عامل أساس يهتم به أبناء هذه البلاد ألا وهو الموقف الشرعي بشأن صحة وسلامة التعاملات والأنشطة التي يقوم بها المصرف أو الشركة وحيث إن النقاش والفتاوى الصادرة من الهيئة الشرعية، ومن هيئة كبار العلماء متناقضة لذا الناس في حرج في هذا الأمر خاصة أننا مأمورون بتجنب ما فيه شبهة.
وأنا أتابع الموضوع وجدت أن الارتباك والتشوش الذهني وحالة التردد هي ما يسيطر على الناس مع أن هناك من حسم أمره للاكتتاب بحجة أن بينه وبين النار قاضيا أفتى له بذلك، لكن فريقا آخر حسم الأمر في عدم الاكتتاب تجنبا للشبهة وأن مصادر الرزق متاحة في مجالات أخرى، ويوجد فريق متردد وتسيطر عليه الحيرة.
إذا كان الهدف الأساس هو تحسين أوضاع الناس الاقتصادية، هل هذا الوضع المرتبك يسهم في تحقيق الهدف؟! الجواب في نظري كلا ولذا يمكن التساؤل إذاً لماذا الإسراع في طرح الاكتتاب، إذ إن المصرف وهو أول مصرف في المملكة مضى عليه عقود لم يطرح للاكتتاب، بل إن مصارف تأسست بعده بأزمنة مديدة اكتتب فيها الناس حين تأسيسها، ما الذي يمنع من تأجيل الاكتتاب حتى استكمال الملاحظات التي لدى الهيئة الشرعية التي وعد القائمون على المصرف بتلافيها وذلك لتشجيع كل الشرائح الاجتماعية على الاكتتاب وهم مطمئنون، إضافة إلى أن أضرارا كبيرة تحدث من تناقض الفتوى واضطرابها، فالناس قد توجد لديهم الشكوك في علمائهم خاصة مع ما يقرأونه ويسمعونه بشأن المحفزات التي تكمن وراء فتوى الهيئة الشرعية للمصرف التي يقابلها فتوى من هيئة شرعية أعلى ألا وهي هيئة كبار العلماء.
أعتقد أن توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بشأن توحيد جهة الفتوى يهدف إلى تجنب تشويش وإرباك أفكار الناس، إضافة إلى المحافظة على ثقة الناس في علمائهم، فالثقة متى ما نزعت ارتبك الناس واضطرب موقف الناس إزاء الكثير من القضايا وهذا ما لا تحتمله الظروف القائمة والمصلحة العامة.