مواطن وابنه .. في غرفة الصرف الصحي

المناخ العام في جدة عقب موسم الحج كان رائعا، انتهى موسم الحج هذا العام بنجاح منقطع النظير، وأخذ المسؤولون يطيرون برقيات التهاني بين بعضهم بعضا، كذلك فإن الأهالي أكملوا احتفالات عيد الأضحى المبارك في فرحة وسعادة غامرتين، ولكن بينما كان النجاح والفرحة تغمران مدينة جدة، فإذا بحادث جلل يخترق الفرح والنجاح، الحادث وقع في أجمل وأحلى وأنظف شارع في جدة، وهو شارع التحلية.
ولأنه كذلك فالمفروض أن يكون شارع التحلية مكتمل التجهيزات، وألا تكون فيه بيارة فاتحة فاهها لتغتال الفرحة وتغتصب أرواح الأبرياء.
مع الأسف البيارة الملعونة تقع في قلب الشارع النضيد والوثير تركها صاحب المركز التجاري وكأنها كمين هدفه إزهاق الأرواح البريئة.
كان الطفل لا يزال يعيش فرحة العيد ويركض ويقفز شأنه شأن أي طفل في مرحلة الطفولة والفرح، فتقدم على والده بنحو مترين، وإذا به في جوف غرفة الصرف الصحي، وصعقت المفاجأة قلب الأب المفطور على ابنه، فقفز بمشاعره الجياشة إلى جوف غرفة الصرف الصحي يبحث في غرفة الموت عن ابنه لعله يحتاج إلى لحظة إنقاذ تعيده إلى كنف الأسرة الطاهرة.
ولكن غرفة الصرف القاتلة شفطت الابن إلى جوفها، ثم ضمت إليه الأب في سيناريو مأساوي رهيب، وسرقت منهما فرحة العيد وبهجة الحياة.
الأسرة عادت لتوها من الخارج بعد أن أكمل الأب الشاب تعليمه وحصل على أعلى الشهادات، شهادة الدكتوراه في هندسة البرمجيات وتقنية المعلومات، إنه التخصص الذي لا يقبل عليه إلا الموهوبون، ووصل الشاب وأسرته إلى أرض الوطن ليبدأ مرحلة رد الجميل والمساهمة في بناء الوطن، ولكن برهة إهمال في الشارع الجميل سحبت من الدكتور الشاب حياته وحرمته شرف المساهمة في بناء الوطن.
والسؤال القضية، من المسؤول عن هذه الكارثة: شركة المياه الوطنية باعتبارها المسؤولة عن المجاري، أم أمانة مدينة جدة التي تركت أصحاب العمائر والمراكز التجارية يحفرون الحفر للصرف وللأبرياء، أم صاحب المركز التجاري الذي ترك حفرته تقبر بريئين ما زالا في سن العهود وسن الورد؟
إذا كان صاحب المركز التجاري أهمل في تطبيق وسائل الصيانة والسلامة، فأين الرقابة؟ أين أمانة جدة؟ لماذا لم تتخذ الإجراءات الصارمة حتى تجبر صاحب المركز أو صاحب المبنى على تطبيق كل وسائل الحماية والسلامة؟
من ناحيته فإن الأمير مشعل بن عبد الله أمير منطقة مكة المكرمة أمر بمباشرة التحقيق والرفع فورا حتى يتخذ الإجراءات التنفيذية اللازمة، ولكن ما مصير التحقيق لو لم توجد أنظمة للسلامة والأمان؟ ما مصير التحقيق إذا ذهبت العدالة بين الأوراق والأبواق؟
وإذا كان في حياتنا أشياء بشعة مثل هذه المأساة، فإن فيها أشياء جد جميلة، وأهم الجميلات أن يصدر قرار عاجل وسريع في موعد معياري بإعطاء هذه الأسرة المكلومة حقها كاملا ومكملا.
إن المأساة بصورتها البشعة تؤكد أن الدكتور الشاب وقع عليه ظلم بيّن، ويجب أن يأخذ حقه وحق ابنه في الحياة، صحيح إن الدكتور وابنه صعدت روحاهما إلى الباري عز وجل، ولكن للدكتور أهل وعزوة، وهؤلاء يطالبون بحق ابنهم وابن ابنهم، ينشدون من الدولة الرشيدة والعادلة أن تعطيهم الحق المستحق.
نحن لا نريد أن نستبق الأحداث، ولكن نريد أن نطمئن بأن كارثة بهذا الحجم لا تنتهي إلى مالا نهاية، بل نريد أن تكون لها نهاية، ونهاية معلنة النتائج حتى تكون درسا وعبرة.
إن الناس يتعلمون من مشكلاتهم، يمكن جدا أن تعلمنا هذه الحادثة كيف نحافظ على سلامتنا وعلى أرواحنا، ولكن يمكن جدا أن تعلمنا كيف نضيع فرص الإصلاح من بين أيدينا، ونتجول في دهاليز البيروقراطية والتفريط.
فرص الإصلاح كثيرة تبدأ من تكليف شامل بعلاج كل مشكلات البيارات، وتنتهي عند مراقبين شرفاء يركضون خلف الخطيئة والتقصير حتى يعلنوا وفاتها قبل أن تتسبب في قتل البراءة.
واجب كل مواطن سعودي أن يتحول إلى كاتب ويكتب عن هذا الشاب وعن هذه التجربة القاسية والمريرة!
مطلوب من كل مواطن أن يكتب ويواسي هذا الشاب، ويواسي أسرته، لأن الحفرة التي وقع فيها من أبشع أنواع الاغتيالات في الحياة، وإذا كان الأمر كذلك فلا أقل من أن نكتب عن هذه الأسرة ونواسيها في مصابها الجلل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي