مرئيات على أهداف الخطة الخمسية العاشرة
أقر مجلس الوزراء أهداف الخطة الخمسية العاشرة في اجتماعه في 2014/09/15. جاءت الأهداف كما هو متوقع كخطوط عريضة، إذ تركت منظومة السياسات والخطوات العملية والمنعطفات التي يمكن رصدها لآخرين. ولكنها مع هذا تحمل وتتضمن أهمية إذا أخذت كإطار لرسم معالم الفترة القادمة. عادة يصعب أن يكون هناك خلاف أو حتى اختلاف بين الأهداف العامة للخطط الخمسية وخاصة في البلدان التي لم يعرف عنها انضباط تخطيطي. ليس لدي نقد للأهداف بعينها ولكن لدي ملاحظات عامة تنطلق من التساؤل حول القواعد المؤسساتية لتنفيذ الأهداف وهل هذه كافية لإعطاء الخطة حياة نشطة وليس مجرد عناوين عامة. المدخل لهذه الملاحظات هو ما ذكرت الأهداف من التأكيد على المسألة ودور المجتمع المدني.
هناك ثلاث ملاحظات مؤسساتية وأخرى جزئية على أهداف الخطة. الملاحظة الأولى أن مركزية التخطيط لا تزال غير "مفقطة" فهي ليست مستقلة أو عالية الترتيب الإداري السلطوي. الدمج في المساواة الإدارية بين التخطيط والتنفيذ من جهة وسلطة المال على القرار الاقتصادي من جهة أخرى أفرغ المؤسسة التخطيطية من محتواها. هذا الدمج وخلط الأدوار يجعل المسألة غير ممكنة عمليا. ولذلك لابد للمؤسسة التخطيطية أن تكون على مسافة من الأجهزة التنفيذية وعلى درجة أعلى في هرمية القرار التنموي والاقتصادي، وهذا لم يتغير لدينا. الملاحظة الثانية أن ما يجمع الأهداف مع السياسات والاستراتيجيات هو مدى استقلال ودقة المعلومات. مادة القرار الصائب أحدث معلومة ممكنة (وليس الانتظار لكي تكون المعلومة كاملة - ينادي البعض بهذا لتفادي أي قرار). قطعنا شوطا كبيرا في توافر المعلومات ولكن الإشكالية الإدارية بمدى استقلال وحيوية جهاز الإحصاءات العامة، إذ لابد له من أن يكون على مسافة واحدة من كل الفعاليات الاقتصادية العامة والخاصة. الملاحظة الثالثة أن عملية صنع القرار الاقتصادي لا تزال غير واضحة. لا أعرف المسافات أو درجة التطابق بين وزارتي المالية والاقتصاد والمجلس الاقتصادي الأعلى وحتى مجلس الأمن الوطني، ناهيك عن الوزارات ذات البعد الاقتصادي مثل التجارة والبترول والعمل وأرامكو. فهذه تخلط بين دور صنع السياسات أحيانا وبين الدور التنفيذي وحتى التخطيطي أحيانا أخرى، حيث إن وزارة التخطيط تكتفي فعليا بذكر الأهداف وجدولة عامة ليست في نسق "محسوب" مع ما يتم مع هذه الفعاليات. مثال حي على عدم الوضوح أتى على أثر الجدل القائم حول مرفق الأراضي، فعلى الرغم من مركزية دور الأراضي في الاقتصاد والحاجة إلى قرار مفصلي إلا أن المؤسسات الفاعلة لم يذكر عنها أي تفاعل عدا هيئة كبار العلماء التي ليست مؤسسة تنموية أو اقتصادية.
هناك ملاحظات جزئية لافتة. على سبيل المثال استغربت ذكر السكن خاصة أن هناك برنامجا مؤثرا ووزارة مستقلة لهذا المرفق، فهل السكن أهم من الصحة أو المياه أو غيرها من الخدمات العامة خاصة أن إشكالية الإسكان ليست بهذه الحدة؟ الملاحظة الإيجابية تأتي في مدى ذكر الشفافية والتنافسية والإنتاجية والمسألة وموظفي الحكومة وهذا تغيير ولكنه في المصطلحات والرموز أكثر منه في الجوهر. ترجمة المصطلحات إلى حقيقة يتطلب التعامل مع القواعد المؤسساتية. الملاحظة الأخرى، أتى ذكر القدرة الاستيعابية للاقتصاد ولعل من قائل إن القدرة الاستيعابية الآن أكثر من القدرة الذاتية (بسبب الهجرة الاقتصادية وتسخير الاقتصاد للاستهلاك على حساب الإنتاج)! لابد من مراجعة هذا الهدف. الملاحظة الأخيرة أنه لم يأت على ذكر الدعم الذي تخفيه أرقام الميزانية حيث ينمو بسرعة أعلى من النمو الاقتصادي الحقيقي والإنتاجية وبالتالي في تناقض مع التنافسية والحاجة إلى تغليب الاستثمار كمفهوم وكنسبة من المصروفات العامة. في الأخير التخطيط يعني رغبة في إعادة تشكيل الهياكل والتصرفات ولذلك فإن الخطط من خلال أهدافها منذ السبعينيات لم تأت بجديد.