رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأرض لمن أحياها .. ولكن !

يُنظر لبعض الأحاديث النبوية الشريفة في الاجتماع والاقتصاد في التشريع الإسلامي بوصفها حكما على موضوعه الخاص بزمانه ومكانه، على نحو ـ الحكم القضائي – الذي يعني فتوى في موضوع خاص لا يتعداه لغيره بالضرورة، وإن جاز أن يعم غيره، ويشمل النظائر والأمثال المقاربة والمتطابقة .
القادمون من مكة من المؤمنين بالله وبنبيه - صلوات الله وسلامه عليه - فقراء كرام لا يسألون الناس رغيفا ولا فضلة من طعام، يردون بها غائلة الجوع، وصولته، أحب الله فيهم فضيلة التعفف النبيل هذا، الذي يجعلهم يتظاهرون بكفاية غير موجودة، وترفع شريف عن الطلب على خصاصة و وجع يعض أبدانهم الليل كله، والنهار في ثلثيه ..! يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من التعفف.
المبعوث رحمة للعالمين، تجلى على قلبه، هذا العفاف الطاهر من صحابته وحواريه الفقراء الهاربين بدينهم من قتل قريش وعذابهم العظيم، فكان التشريع ينطلق من قاعدتين أوليين الأولى أن الناس شركاء في الأرض والماء والكلأ، الأرض هي لله جعلها لعباده جميعا، لا يملك حاكم أن يهبها لأحد، ولا أن يخصصها لغير المنفعة العامة لأن تصرف الحاكم يجب أن يكون في ملكه وما له حق التصرف فيه إلا أنه لا يملك أن يتصرف في ملك الناس دون رضاهم وتفويضهم. أي لا يجوز تحويل الملكية العامة للأرض إلى ملك خاص يستأثر به أفراد معدودون على حساب المجموع.
كان هذا هو السلوك المعتاد في تاريخ البشرية، يأتي الناس إلى حيث الماء، فيبنون على أرض الله مساكن لهم، ويتخذون من الجبال بيوتا، ويستوطنون الصحراء على بئر سخية الماء على طريق يطرقه المسافرون، فينالهم من السقي والقرى رزق كريم، وحياة مستقرة بكفاف في غير جهد.
حين إذ قال النبي صلوات الله وسلامه عليه القاعدة الثانية (الأرض لمن أحياها...) لأن حياة الأرض كانت تعني الزراعة بكل ما هو متاح وبكل ما هو ممكن، كانت تعني الأمن الغذائي لمدينة من المحتمل دائما أن تتعرض لحصار من أعدائها، والتربص بسبيل القوافل المحملة بطعامها، ولما تمثله الزراعة من تنوع مدرار للرزق والكفاية، ورفع العوز. جعل النبي صلوات الله وسلامه عليه الأرض هبة كريمة لمن يحييها بمنتج فيه حياة الناس، وفيه أرغفة خبزهم وسبب قوتهم في حروبهم مع عدوهم. الأمن الغذائي التام والكامل، وبذا يتحقق الغنى الفردي للفقراء العابرين للمدينة، والغنى الاجتماعي بتأمين الغذاء وتنوعه والكفاية التامة منه.
اليوم الفقير لا يملك أن يحيي الأرض، والغني يملك أن يوظف كبار المقاولين لتجهيز مسافات غير متناهية، وبذا ينال مزيدا من القروض المساندة من الدولة، وبهذا يزداد الفقير فقرا وعزلة، ويزداد الغني غنى ومالا وعقارا وهذا كله من المال العام والأرض التي كانت للملكية العامة.
والجانب الأسوأ أن العدد الأكبر يتحول إلى منتجعات خاصة تستهلك الموارد المائية الشحيحة في ملاعب الجولف، والمسابح المفتوحة. ومجاري الخيول، وهذا كله لا صلة له بالشروط الموضوعية للحكم الموضوعي في هبة الأرض العامة لمن أحياها بزراعة طعام الناس، وبما يحيي البلاد والعباد ويدر أرزاقهم ويفتح سبيل الكفاية والحياة لهم.
إن هذا التطبيق المعمول به يعني أن المال والبلاد ستكون دولة بين الأغنياء منا، ولن يجد الفقير شبرا واحدا من أرضه ولا العقب من ولده، ويؤسس لتحويل الملكية العامة إلى أملاك خاصة بغير وجه حق، لأن للإحياء شروطا موضوعية غير متحققة نهائيا في زماننا هذا في كثير من أراضي الإحياء، وهذا ما لا يجوز استغفال البسطاء فيه، ولا تضليل عامة الخلق عن فهمه والوقوف عنده.
هذه ضرورة وعي ينبغي أن نكررها دائما، لتتحول إلى قاعدة جديدة مشروطة بالمصلحة العامة والأمن الغذائي ورجوعها للملكية العامة عند خروجها للتخطيط العمراني، أو التجزئة وإعادة بيعها على ملاكها الأصليين الذين انتزعت منهم بذريعة إنتاج أمنهم الغذائي والعمل على إنتاج طعامهم الذي هو الدلالة المستفادة من الإحياء في زمن النص ومكانه، فالمشروط عدم عند عدم شرطه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي