رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل من برنامج شامل لأعمال البر؟

حقائق جلية لا يمكن إنكارها تنتشر في كل زمان ومكان ألا وهي التفاوت بين البشر في أرزاقهم ومصادر عيشهم، إذ فيهم الكادح الذي يشقى ويعمل ليل نهار للحصول على لقمة عيشه ولقمة من يعيل من الأبناء والأهل، وقد يطول به الحال وهو في هذا الوضع، وربما يقضي عمره وهو يكدح لتحقيق الحد الأدنى من العيش، وفي المقابل يوجد أفراد وأسر قد مَنّ الله عليها بوافر من الخير والنعمة، وهذا من تفضيل الله في النعم بين الناس الذي هو حقيقة في كل المجتمعات مهما كان دينها وثقافتها.
وتخفيفاً من معاناة الفقراء والمساكين قرر ديننا الإسلامي عبادات يتقرب بها المسلم إلى الله لكن أثر هذه العبادات يتعدى إلى المحتاجين تخفيفاً عنهم ومواساة لهم ليشعروا بالسعادة كغيرهم من أبناء المجتمع الميسورين، ليعيش المجتمع بكامله في فرح وسرور رغم أن الفوارق الاقتصادية لا تزول لكن شعور الجميع أو معظمهم بالسعادة في المناسبة خاصة مناسبات الأعياد في ديننا، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى، زكاة الفطر واجبة على كل مسلم قادر، تعطى لفقراء البلد سداً لحاجتهم "اغنوهم في ذلك اليوم".
الزكاة والصدقات والنذور والكفارات تمثل موردا من موارد البر والإحسان التي تستهدف في الأساس التخفيف من معاناة الفقراء والمساكين، لكن وكما يلاحظ في المجتمعات الإسلامية فالفقر يضرب أطنابه لدى شرائح كبيرة مما يعني صعوبة تحديد المحتاجين كما حدد الشارع.
الأضحية والهدي للحجاج يمثل عبادة أخرى يتعدى أثرها للمستحق في المجتمع حسب التوجيه النبوي الكريم لإهداء الثلث والتصدق بالثلث وأكل الثلث، وإذا كانت الأضحية سنة مؤكدة يسن فعلها للمقتدر فمن الواجب التساؤل هل تصل إلى مستحقيها الذين يتمنونها خاصة مع غلاء أسعار اللحوم التي لا يمكنهم شراؤها نظراً لقلة ذات اليد، فالمشاهد أن معرفة المستحق تخضع لاجتهادات فردية قد تخطئ أو تصيب، فالفرد مهما بلغ اجتهاده وحرصه في الوصول إلى المستحق إلا أنه سيكون محدودا في دائرة ضيقة بمعارفه وحيه الذي يقطن فيه.
مشروع الهدي والأضاحي الذي استحدثته المملكة ويشرف عليه البنك الإسلامي يمثل برنامجا حضاريا يؤكد روح التعاضد والتلاحم بين أبناء الأمة أينما كانوا، ومع وجود الجمعيات الخيرية في المدن والأحياء التي تهتم بالتعرف على المحتاجين إلا أن الكثير من الناس يواجهون صعوبة في معرفة وتحديد من يتوجهون إليهم في أعمال البر. أوجه الخير المتعددة بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة لإيجاد النظم والآليات التي تمكن الأفراد من الوصول إلى المحتاجين. لتحقيق الأهداف التي شرعت العبادات من أجلها يلزم العمل على مشروعين، المشروع الأول يتمثل في إجراء الدراسات والأبحاث التي تبلور الآليات والطرق التي من شأنها المساعدة على تحديد ومعرفة المستحقين وإيجاد قاعدة معلومات مع اتخاذ الإجراءات كافة الكفيلة بحفظ كرامة الناس، أما المشروع الثاني فيتمثل في إيجاد الوسائط التي تمكن من نقل أعمال البر إلى أهلها خاصة عندما تكون المسافات متباعدة بين فاعلي الخير وبين المستهدفين في هذه الأعمال.
الاستثمار الأمثل لأعمال البر يتطلب دينامية في جمع المعلومات، وأسلوبا علميا دقيقا مع نظرة شمولية، وإذا تحققت هذه الأشياء فمن المؤكد أن أعمال البر ستؤتي أكلها في التخفيف من الفقر وآثاره المتمثلة في التخفيف من مشاعر الحرمان وانحسار الجريمة كالسرقة، والمخدرات، والانحرافات الأخلاقية والتسول الذي يشوه المدن، ومظاهر البؤس التي تنتشر في المجتمعات الإسلامية. وبمناسبة عيد الأضحى المبارك أهنئ الجميع راجيا الله أن يعيده على الجميع بالصحة والعافية والبركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي