رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمن الحجيج والبعد الأخلاقي

استطاع الإعلام الاجتماعي وبجهد شعبي إبراز البعد الأخلاقي لرجال الأمن السعودي المعنيين بسلامة الحجيج، حيث غصت صفحات هذا الإعلام بصور مؤثرة تبين مدى اهتمام رجال الأمن بالحجيج وتحملهم المشاق وبروح الحب والمودة والرحمة حتى إن صورة أظهرت رجل أمن جالسا وفي حضنه طفلة غارقة في النوم بانتظار أهلها.
أذكر أن أحد كبار السن قال إن المواسم الدينية كشهر رمضان والحج والأعياد كانت ذات أثر بالغ في استحضار القيم والمفاهيم الأخلاقية الإسلامية وممارستها، وأن ذلك استمر في الاضمحلال شيئا فشيئا حتى وصل إلى مستويات متدنية، بل إنه في بعض الأحيان أصبحت المواسم الدينية تجلب معها قيما ومفاهيم مناقضة لما يسعى ديننا الإسلامي الحنيف لترسيخه في هذه المواسم، ومن ذلك ما يحدث في شهر رمضان من كسل وتأجيل للأعمال وإسراف في تناول الطعام والشراب والسهر ليلا والنوم نهارا وعدم إتقان العمل وتعطيل مصالح الناس بدعوى الصيام والتهجد.
وأذكر أن الرجل قال إن الحج سابقا يعتبر مرحلة تحول نوعي في التزام وانضباط الحاج أخلاقيا لكون الحج منقيا للمسلم من الذنوب والخطايا، الأمر الذي يدعو من حج إلى مواصلة هذه النقاوة من الذنوب بالالتزام بقيم ومفاهيم الإسلام الأخلاقية من أمانة وصدق وإخلاص وعطاء وتراحم وإيثار واحترام والتزام بالعهود والمواثيق والوعود، بينما الآن لا نرى مثل هذا الالتزام.
وأذكر أن أحد الجالسين قال معقبا على حديثه إن السبب الذي يقف وراء ذلك من وجهة نظره هو غياب الفلسفة الفكرية للعبادات وحضور السلوك فقط، فالصيام تحول لامتناع عن الطعام في النهار الذي ينام معظم أوقاته الصائمون ناسين فلسفته الفكرية من جهة التقوى ومن جهة الصحة ومن جهة التراحم والتكافل والتزود بالطاعات وطلب المغفرة إلى غير ذلك من المعاني، ولذلك فالصائمون يتناولون الطعام أكثر من الشهور الأخرى ويظهرون الشيء الكثير من الكسل والتذمر لكونهم صائمين، حتى إن عبارة "اللهم إني صائم" أصبحت تستخدم كعبارة تهديد للآخر، بدلا من أن تكون عبارة يقولها الصائم سرا ليصبر على البلاء، فيتجنب الرد فهو صائم عن المباح قبل المحرم كالسباب واللعن والطعن وغيره.
وأقول إن الحج كما يبدو لي أيضا أن فلسفته الفكرية غابت أيضا عن كثير من مؤديه، حيث يمارس الكثير من الحجاج مناسك الحج كقوس دينية مفرغة من "المشاعر" وهي الكلمة التي أطلقت على مواقع ممارسة المناسك دلالة على ضرورة تكثيف "المشاعر" لتنقية النفس من الشرك والكبر والكذب والغدر والخيانة ومن كل خلق سيئ والالتزام بالأخلاق الحميدة، فالحج حالة شعورية من البداية حتى النهاية تجعل الإنسان يعاهد نفسه بالتخلي عن المحرمات والالتزام بالأوامر الأخلاقية "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
رجال الأمن السعودي، أظهر مستخدمو وسائل الإعلام الاجتماعي من المواطنين والمقيمين والحجاج عمق "مشاعرهم" تجاه ضيوف الرحمن كافة وكيفية تجلي هذه المشاعر بالتحول من مهمة المحافظة على الأمن إلى مهمة الخدمة المباشرة للحجيج بصور متعددة، مثل من ابتكر فكرة رش الماء على الحجيج من خلال علب الماء الذي كرمه أمير منطقة مكة المكرمة.
دون شك سمو مشاعر رجال الأمن يعكس سمو وعمق "مشاعر" مسؤوليهم انطلاقا من وزير الداخلية حتى أصغر مسؤول في الجهاز الأمني الذين يتلقون التعليمات، ما يعكس بطبيعة الحال سمو وعمق مشاعر القيادة السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز حفظهم الله جميعا.
خدمة رجال الأمن لضيوف الرحمن بطرق متعددة تعكس القيم والمفاهيم الأخلاقية الراسخة في وجدانهم انتقلت بنا من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل ومن مرحلة التوجيه بضرورة التعامل الأخلاقي مع ضيوف الرحمن إلى مرحلة القدوة، وسيكون لذلك أكبر الأثر في نفسية الحجاج من أقطار العالم وعلى مدى استفادتهم من الحج كركن ذي غايات أخلاقية إنسانية على ممارساتهم الأخلاقية مستقبلا، ولقد قرأت في "تويتر" أحد الحجاج يقول إن الأمن السعودي في الحج جعلني أغير نظرتي تجاه الكثير من سلوكياتي الأخلاقية وضرورة معالجتها.
معظم الناس ينظرون لرجال الأمن خصوصا رجال المغاوير والمهمات الخاصة على أنهم وحوش أعدوا لمهمات حرب وقتال واقتحام وأنهم لا دخل لهم بالمهمات الخدمية الأخلاقية، ولكن رجال الأمن السعوديون أثبتوا عكس ذلك وأثبتوا بالدليل القطاع أن رجل الأمن مهما كان قطاعه إنما وجد لخدمة الوطن والمواطن وحمايته من الاعتداءات كما أنه يحمل من "المشاعر" الإنسانية ما يجعله في خدمة المواطن بما يتجاوز مهمته الأمنية.
أعتقد أن كل مواطن أيا كان موقعه ينظر بعين الغبطة لرجال الأمن السعودي ويتحفز اليوم ليخدم في وظيفته بنفس المستوى من الخدمة الإنسانية التي تتجاوز المهمة الأساسية إلى المهام الإنسانية النابعة من القلب وليس من الوصف الوظيفي.
ختاما أتطلع إلى أن يقتدي كل رجال الأمن في كل أنحاء بلادنا برجال أمن الحجيج في هذا الموسم بخدمة المواطن والمقيم بما يفوق الوصف الوظيفي لمهامهم، وأن يستمروا في ضرب أروع الأمثلة لتمسكهم بمنظومة القيم والمفاهيم الأخلاقية الإسلامية، وإني على يقين أن ذلك سيعيد بناء علاقة أكثر ثقة وتعاونا بين المواطن ورجل الأمن والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي