رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مراجعة كتاب: رأس المال في القرن الـ21 لتوماس بكتي (3)

من منطلق المساواة وطبقا لدراسة بكتي فإن اقتصاد السوق المبني على الملكية الخاصة يحمل "قوى" جامعة وضرورية في رفع مستوى الحياة المادية التي تتفاعل إيجابيا مع المعارف والمهارات المحفزة لمداخيل أعلى ولكنه أيضا يحمل "قوى طاردة" تقلص المساواة وتهدد المجتمعات وقيم العدالة فيها. القوى الطاردة تتركز في حقيقة أن نسبة العائد على رأس المال غالبا ولمدد طويلة يكون أعلى من نسبة النمو الاقتصادي والدخل (في الاقتصاد عموما). ولذلك فإن من يبدأ بثروة ستستمر بالتراكم، هذا التراكم يحول رجل الأعمال المبادر إلى منتفع ووارث تدريجي دون مساهمة تجارية تتناسب مع ما يحصل عليه من عائد مقارنة بالأغلبية العاملة مهما بذلت هذه من جهد أحيانا.
النتيجة أن هناك تزايدا في الفجوة بين 10 في المائة في القمة (دخل العمل) الذين يستحوذون على 20 في المائة و25 و35 في الدول الاسكندنافية وأوروبا وأمريكا على التوالي. ولكنه يقسم من هم في القمة إلى ثلاثة أقسام فكلما ترتقي في السلم يقلص دور الراتب والمكافآت ويزيد دور الدخل الاستثماري، إلى أن تصل إلى أعلى واحد في المائة، حيث ليس للأجور دور يذكر في معادلة الدخل. إلى أن نصل إلى من هم في قوائم المجلات التي تهتم بالواحد في المائة ألف. أحد إفرازات تركيز الثروة أن الأصول الخاصة أصبحت تساوي ما تملك تلك الدول بينما تعاني من حجم دين عام يعادل هذه الثروات الخاصة كما في أوروبا. لا يمكن للثروة أن تكون بعيدة عن السياسة ولذلك فإن هذه الطبقة تبدأ باحتكار الخطاب السياسي والأيديولوجي والإعلامي وحتى الأكاديمي أحيانا كي تبرر لوضعية غير صحية.
في نظر بكتي الحل الأمثل أن تفرض ضريبة تصاعدية على رأس المال و(ليس الدخل) الذي يخضع لخدع محاسبية وتلاعب مع دور الدين في بناء الثروة. يرى أن الضريبة ستعيد التوازن بين الملكية الخاصة والعامة وتوزيع أكثر عدالة للثروة وتحفيز أكثر للنمو الاقتصادي. لن تكون هذه الضريبة عملية أو مؤثرة دون مستوى شفافية أعلى وتعاون دولي لتقليل التهرب الضريبي أو الحصول على المال في دولة ثم الهجرة إلى أخرى خاصة أن الدول تتنافس على ضريبة أقل. لا يؤيد الضريبة على الاستهلاك لأنها تخدم من يستطيع التوفير أكثر فقط من ناحية (خاصة أنه كلما ازدادت الثروة قلت نسبة ما تستهلك منها)، كما أنها لا تحل مشكلة هيكلية قائمة اليوم. يقترح أن تكون ضريبة رأس المال 0.1-0.5 في المائة لمن يملك أقل من مليون يورو و1 في المائة لمن يملك 1-5 مليون يورو و2 في المائة لمن يملك 5-10 يورو و5-10 في المائة لمن يملك العشرات والمئات. الشفافية والضرائب هي الخيار الأمثل لأن التضخم قد يكون خيارا أفضل لحل مشكلة الدين العام والخاص ولكنه يخدم من يملك الأصول من عقار أو أسهم ويفاقم عدم المساواة.
يقول بكتي إنه في الأخير تتحرك القوى الاقتصادية في إطار سياسي وثقافي ولذلك لا يمكن فصل القرار الاقتصادي، بل إن الكل سياسي فيما يطرح، المهم أن نجد معادلة متوازنة بين النمو والعدالة والاستقرار. الكتاب يعالج موضوعا حيا في كل الدول ومنها النفطية. لعل أهم ما ذكر أن للضرائب دورا تنظيميا عدا كونها مصدرا للتمويل، فهي أساسية لمعرفة طبيعة الأصول ومن يملكها وكيف تتناقل وتؤثر في الاقتصاديات الكلية والجزئية. دون هذه المعرفة تصبح أدوات الإدارة عرجاء، وهذا ما سبق أن دعوت إليه عن أهم الأصول لدينا: الأراضي. كما يدعو الدول المعتمدة على الثروات الطبيعية لسياسة أكثر حصافة للدعم ليس من منظار العدالة فقط ولكن بالحفاظ عليها وتوظيفها لسياسة أكثر فعالية لتحفيز النشاط الاقتصادي الطبيعي، كما أنه ذكر المملكة من خلال سوء فهم لاستثماراتها في السندات الأمريكية وتواصلت معه على هذه النقطة ولكن رده تفادى النقد المباشر. لعدم المساواة الجائر تأثير اجتماعي يتعدى استحقاقات النمو كما في دول المنطقة العربية عموما. تلقى الكثير من النقد وحتى التشكيك في الإحصائيات وطريقة إبرازها ولكن رصد بكتي وحتى توصياته جيد في الغالب، إلا أن اختلاف الدول مرحليا وقوة مراكز القوى المستفيدة والتحديات الكونية الأخرى تحد من فرص الحلول المقترحة. الفترة الوحيدة التي أعادت درجة من التوازن كانت على أثر الحروب العالمية، لعل التجربة الإنسانية تتعلم أن تحل الإشكاليات التراكمية دون حروب كونية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي