ضرورة توافر مؤشرات جودة التعليم
شهدت المملكة خلال العقود الأخيرة نهضة تعليمية كبرى، انتشرت خلالها المدارس في أرجاء المملكة كافة. وتقدم الدولة الخدمات التعليمية الأساسية للتجمعات السكانية كافة في المملكة وتحاول تغطية جميع أرجائها بالخدمات التعليمية الأساسية. وقد نجحت هذه السياسة في تحقيق العديد من الإنجازات التنموية المهمة كخفض معدلات الأمية، ورفع مستويات التوعية الاجتماعية، وتمكين الأسر منخفضة الدخل من الحصول على وظائف أفضل لأفرادها، مما رفع معدلات دخل ورفاهية معظم السكان. هذا وقد تخطت المملكة مرحلة نشر وتعميم التعليم في أرجائها المختلفة، ويطمح الكثيرون إلى التركيز على جودة التعليم ورفع مستوياته وخصوصاً في المراحل الأولية، وذلك لرفع قدرة سكان المملكة على الإبداع وتحقيق مستويات معيشية أفضل. وسيساهم توفير مؤشرات جودة التعليم والعمل على رفعها في تحسين الخدمات التعليمية وتمكين الأجيال اليافعة والقادمة من المنافسة مع الشعوب المتقدمة.
ولا تتوافر في موقع وزارة التربية والتعليم إلا معلومات محدودة وكلية وخلاصة عن التعليم في المملكة. ولا يمكن من خلال هذه المعلومات الحصول إلا على مؤشرات محدودة عن جودة التعليم على المستوى الكلي. ولهذا فإن من الضروري على الوزارة توفير معلومات ومؤشرات عن جودة التعليم على المستويات الوطنية والإقليمية والتركزات السكانية الأخرى بل الأهم من ذلك على مستويات المدارس. وتشير العديد من الدراسات التي أجرتها المؤسسات الدولية إلى أهمية المؤشرات والأدوات والتنظيمات التعليمية في جودة التعليم. فقد أثبتت العديد من الدراسات العالمية أهمية حجم وترتيب الصف في جودة العملية التعليمية، حيث وجد أن الصفوف التي يجلس فيها التلاميذ على شكل دائرة توفر مشاركة أكبر وهي أنجع من الفصول التقليدية. كما يؤثر حجم الصف في معدلات النجاح، حيث وجد أن نسبة الإعادة في الصفوف التي تزيد على 25 تلميذاً ترتفع مرة ونصف عن الصفوف التي يقل التلاميذ فيها عن هذه العدد. كما وجد أن توفر دورات مياه نظيفة مثلا يعزز نسب حضور التلاميذ إلى المدارس وخصوصا الإناث. كما تؤثر تصرفات المدرسين تجاه التلاميذ في المسيرة التعليمية، حيث وجد أن ارتفاع مستويات المعاقبة الجسدية واللفظية من قبل المدرسين أو ارتفاع العنف المدرسي وعدم توافر بيئة آمنة بالنسبة لبعض التلاميذ تتسبب في خفض نسب النجاح وترفع نسب التسرب من المدارس.
وتستخدم مؤشرات جودة التعليم كأدوات لقياس نجاعة السياسة التعليمية، حيث يمكن وضع معايير لقياس نوعية وكفاءة الأجهزة التعليمية، كما يمكن أن تستخدم هذه المعايير في قياس عدالة توزيع الخدمات التعليمية بين السكان. وتوجد عدة أنواع من مؤشرات جودة التعليم متعلقة بالمدخلات والمخرجات والتأثيرات التعليمية. ومن أبرز مؤشرات جودة التعليم مؤشرات معدلات الأمية،ومعدلات الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات الاستثمار على التعليم، ومعدلات إنفاق الأسر على التعليم، ومستويات الإنفاق الجاري على التعليم، ومستويات الإنفاق على البحث والتطوير التعليمي. وتشمل المؤشرات معدلات النجاح، ونسب التسرب، ومعدلات الإعادة، وكذلك مستويات اختبارات القياس العامة التي تجرى للطلبة في المجالات كافة. ومن أبرز المؤشرات لنتائج العملية التعليمية نسب التوظيف بالنسبة للشهادات العلمية ومعدلات أجور الخريجين حسب الشهادات العلمية.
ومن مؤشرات مدخلات التعليم معدلات الإنفاق على الطالب في مختلف المراحل أو حتى المدارس، وكذلك الطاقات البشرية المخصصة للتعليم في مختلف المراحل. ومن المؤشرات المهمة مؤهلات الأطقم التعليمية، وسنوات خبرتهم، وكذلك عدد الأساتذة فوق عمر الخمسين، وعدد سنوات خبرة المعلمين، ودورات تدريب المعلمين، ومعدلات الأجور وساعات العمل. ومن المؤشرات المهمة عدد الطلبة للمدرس وساعات التدريس في المراحل كافة وحتى على نطاق المدرسة والمدينة والمنطقة. ومن مؤشرات بنية المدارس مساحة الصفوف، والتجهيزات المتوافرة في الصفوف والمدارس، وتوافر الأجهزة والمرافق التعليمية كمعامل العلوم واللغة والفنون والمكتبات وعدد الكتب للمدرسة، ودورات المياه، والمياه النقية، والكهرباء، والتبريد، والمواصلات، والتليفون، والإنفاق على الحاسب والتقنيات الحديثة. ومن المؤشرات المهمة مستويات اختبارات قياس الطلبة في المدرسة وفي المنطقة وعلى المستوى الكلي. كما ينبغي أيضاً أن تتضمن المؤشرات عدد المباني المدرسية المستأجرة ومساحات المدارس والمنشآت الرياضية، حيث تنخفض في المدارس وحتى الجامعات مستويات الاهتمام بالأنشطة الرياضية والمسابقات الرياضية والثقافية بين المدارس والجامعات.
ومن المؤشرات المهمة مؤشرات توافر الخدمات التعليمية المختلفة على مستوى المنطقة والمدينة أو المنطقة الجغرافية ونسب المشاركة في الخدمات التعليمية. ومن المؤشرات أيضاً توافر الخدمات الصحية والإرشاد الاجتماعي ومعدلات غياب الطلبة والمدرسين والإداريين والالتزام بأوقات العمل والدراسة. ومؤشرات تصنيف المدرسين من قبل الطلبة ومن قبل زملائهم. وكذلك مؤشرات مشاركة أولياء الأمور في العملية التعليمية.
إن توافر مؤشرات على المستويات الجزئية كالمدن والمدارس أمر مهم بالنسبة للعملية التعليمية، حيث يساعد توافر هذه المؤشرات أولياء الأمور على اختيار المدارس الأهلية والخاصة والتمييز بينها. وينبغي ألا يقتصر توافر مؤشرات الجودة على المستوى الكلي بل الأهم توافرها على المستوى الجزئي أي على مستوى المدارس والمناطق والمدن وذلك لخفض الفروقات الكبيرة بين المناطق والمدارس في المستويات التعليمية، وتوزيع الموارد بشكل أكثر عدالة بين المدارس والمناطق التعليمية، وكذلك زيادة مستويات المنافسة بين المدارس والمناطق التعليمية مما يرفع من مستويات الأجهزة العلمية ويخفض من الأخطاء ويوجه الإدارة المركزية إلى معالجتها.