طبيعة ومستقبل النفط الرملي
كنا قد تحدثنا في عدة مقالات سابقة وبإيجاز عن طبيعة وإنتاج ومستقبل النفط الصخري، ومعلومات بسيطة عن الصخر النفطي. والنفط الصخري والصخر النفطي لا يربطهما إلا كلمة الصخري، وهما مختلفان في التكوين وطريقة الإنتاج والاستخراج. فالنفط الصخري هو نفط عادي لا يختلف عن النفوط التقليدية، إلا أنه يوجد في مسام مقفلة داخل صخور صماء. أي أن المسام غير متواصلة مع بعضها وتحتاج إلى عملية "تكسير". أما الصخر النفطي فيوجد في الطبيعة على الهيئة الصلبة وقريب من سطح الأرض أو على ظهرها. وهو عبارة عن مادة تسمى "الكيروجين"، مختلطة مع الصخور بنسبة قد تصل إلى 10 في المائة، ويتم استخراجها، أو استخلاصها، أو فصلها، عن طريق التسخين إلى درجة عالية. وربما يكون لنا ـــ بإذن الله ــــ عودة أخرى إلى هذا الموضوع.
وموضوع حديثنا اليوم هو النفط الرملي، وهو أحد النفوط غير التقليدية وأقرب ما يكون للصخر النفطي، من حيث طريقة التكوين والاستخراج والتكرير. وقد يصنف أحيانا من أنواع النفط الثقيل، عالي اللزوجة. ويوجد النفط الرملي في الطبيعة على سطح الأرض أو على أعماق قريبة نسبيا من سطح الأرض، ربما تصل إلى عدة مئات من الأمتار. ويكون عادة مختلطا مع الرمل على شكل "بتيومين" أو أسفلت. وتكون نسب المخلوط، 75 في المائة مواد غير عضوية و10 في المائة "بتيومين"، وهو الجزء النفطي، و10 في المائة مادة طينية و5 في المائة ماء. وتختلف طريقة استخراجه بحسب قربه وبعده عن السطح. فالذي فوق الأرض يجري تجميعه بواسطة الجرافات ونقله إلى أفران خاصة ثم إلى معامل التكرير. أما الذي يكون وجوده عند أعماق لا تصلها الجرافات، ويمثل 80 في المائة من الاحتياطي، ففي الغالب يجري تسخينه في محله حتى يذوب، ومن ثم يسحب السائل وينقل إلى معامل التكرير. وهناك عدة طرق لتسخينه. أما عن طريق ضخ كمية كبيرة من بخار الماء عند حرارة تصل إلى 300 درجة، أو رفع درجة حرارة المخلوط عن طريق التسخين الكهربائي. والعملية الأخيرة تستغرق وقتا طويلا حتى يذوب المخلوط الصخري. وكأي مادة طبيعية على وجه الأرض، فهو يتوزع بين مواقع كثيرة في عدة أماكن حول العالم.. وأكبر نسبة من احتياطي النفط الرملي توجد في كندا وفنزويلا، وبنسب أقل في أماكن مختلفة من العالم. وأكبر منتج، وربما المنتج الوحيد في الوقت الحاضر، هي كندا. فقد بلغ إنتاجها ما يزيد على مليوني برميل في اليوم، وكمية الإنتاج لا تزال في حالة صعود. وتختلف طبيعة النفط الرملي في فنزويلا قليلا عن النفط الكندي. فوجوده في فنزويلا أكثر عمقا وأقرب لكونه من نوع النفط الثقيل. وتنتج فينزويلا منه ما يقارب 300 ألف برميل في اليوم على الرغم من ضخامة الاحتياطي، ربما لصعوبة إنتاجه وارتفاع تكلفته. وتقدر احتياطيات النفط الرملي في العالم بما يزيد على ثلاثة تريليونات برميل، أكثر من نصفها في كندا وفنزويلا. ولكن الاحتياطي المعلن والممكن استخراجه اليوم بموجب التقنيات الحالية في تلك الدولتين يقدر بـ 290 مليار برميل في فنزويلا و170 مليارا في كندا. وهذا التقدير للاحتياطي العالمي مبدئي ومبني معظمه على التخمين من قِبَل المحللين، وهو قابل للزيادة. وفي الغالب يكون عامل الاستخلاص متدنيا إلى درجة كبيرة، مقارنة بالنفط التقليدي.
وتقدر تكلفة إنتاج النفط الرملي في كندا حاليا بنحو 60 دولارا للبرميل. ومن المحتمل أن هذا الرقم لا يشمل تكلفة إعادة المواقع الشاسعة إلى طبيعتها الأصلية وتشجيرها، بعد استخراج النفط منها، وهو عامل مكلف وشرط ملزم لشركات الإنتاج. ومن المؤكد أن تدني التكلفة إلى هذا المستوى يعود إلى كون البنية التحتية للمشاريع القائمة في كندا كانت قد تم بناؤها منذ زمن طويل ولا تزال تؤدي وظائفها بصورة جيدة. أما المشاريع الجديدة فهي موضوع آخر. فالشركات التي تتبنى الآن مشاريع النفط الرملي الجديدة في كندا تنتظر صعود الأسعار النفطية إلى 150 دولارا للبرميل، من أجل أن يكون مجديا اقتصاديّا. ولذلك، فنحن لا نتوقع بدء الإنتاج من النفط الرملي خارج كندا إلا بعد وصول الأسعار النفطية إلى ما فوق 150 دولارا للبرميل، كحد أدنى.
ولن يكون إنتاج الرملي والصخري مسك الختام في سلسلة المصادر النفطية. فهناك أنواع أخرى تختلف تكاليف إنتاجها، إلى جانب الصخر النفطي المعروف، تنتظر دورها عندما تصبح الأسعار مجزية. منها أنواع "القار"، وهي مادة نفطية غير سائلة في عمق النفط التقليدي، ونوع "البرافين" الذي يحتاج إلى تسخين ليسهل ضخه.
وليس الهدف هنا هو فقط عرض هذه المعلومات عن النفط الرملي وبقية المجموعة النفطية، التي معظمها موجود في مصادر معروفة وفي متناول الجميع، بل الذي يهمنا هو علاقة النفط غير التقليدي بمستقبل الإمدادات النفطية بوجه عام، والرملي واحد منها. فالفكر السائد أن أي مصدر للنفط، سواء من الصخري أو الرملي أو غيرهما من المصادر غير التقليدية، هو إضافة إلى المخزون العالمي الذي من ضمنه النفط التقليدي الذي يغذي اليوم نسبة كبيرة من الإنتاج العالمي. ونقول نعم هو إضافة رقمية ولكن كمية إنتاجه قليلة جدا ولا تقارَن بإنتاج التقليدي. وهناك من يعتقد أن إنتاج هذه النفوط غير التقليدية سيكون له تأثير سلبي على التقليدي الرخيص الذي تنتجه حقولنا. وهذا أيضا استنتاج غير دقيق. فالسبب الرئيس لإنتاج الصخري والرملي المكلفين، ليس من أجل منافسة التقليدي الرخيص. بل هو بالأحرى، للضرورة القصوى التي دعت إلى اللجوء إلى هذه المصادر باهظة التكاليف، من أجل ملء الفجوة الكبيرة بين الطلب العالمي المتصاعد وبين إنتاج النفط التقليدي الذي أصبح على وشك الهبوط بسبب النضوب الطبيعي. وارتفاع الأسعار بسبب ندرة المعروض سيفتح مجالا واسعا للمصادر المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية، التي ستكون حتما منافسة للنفوط غير التقليدية. ولا يعني ذلك أنها ستغني عنها، فالعالم سيكون بحاجة إلى جميع ما يتوافر من مصادر الطاقة.