رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لكل تاريخ أوان كتابته

قلما يكتب التاريخ من يفهم أسبابه، ويعي وقائعه، قلما يكتب التاريخ من يشف عن حقائقه، ويُنبئ عن مكنونه، فبعد كل واقعة نحيط بالدخائل فنقف على غير ما كنا نتصور. وندرك ما كنا نجهل من كوننا دون بصيرة، كنا في تواطؤ ساذج، وفي وعي غائب عن إدراك ما حولنا، وما يُراد بنا.
أيسر الذنوب ما نعرفها، وأخف الجهل ما نعيه، وأقرب الأخطاء للصلاح ما نبصرها، إلا أننا نعاني ذنوبا لا نعرفها كذنب عظيم ومُنينا بجهل في لبوس معرفة وتفلسف فارغ، ومُنينا بأخطاء لا نبصرها وهي ماثلة أمام كل بصير، هذه هي المسالك المؤدية التي جعلتنا نتآمر على أنفسنا، نعيش كمجتمع عربي في طفولة جاهلة بكل شيء أول جهلها بذاتها وحقيقتها، وسبيل خلاصها.
المسافات تتبدل في كل شيء، قد تقترب من الجنة أحيانا، وقد تكون عنها في مكان قصي بعيد، والزمان هو الزمان، وأنت هو أنت، الذي تغير وتبدل هو المسافة التي باعدتها أو قربتها خطواتك.
تركيا، ماليزيا، واليابان كانت قريبة المسافة من الفقر، عميقة الصلة بالتخلف، دائمة العجز، بادية الضنى، وبثقل 130 مليون إنسان، على أرض لا تهبهم منها إلا زلزلتها المتكررة، والعنيدة، وشديدة الغضب، لا غاز ولا بترول ولا حتى فحم حجري، إلا أنها بلا فقراء، بلا عاطلين، وبفائض يزيد على كثير من الدول النفطية ذات الثروات الهائلة، فقط لأن الإنسان هناك لديه رغبة عنيدة في أن يعيش تاريخه، ويصنع أفضل حاضر له يستحقه، ويصنع حاضره، ويُدرك مُنقلبه.
إذا اقترب العالم من المعرفة، اقتربنا نحن أكثر من الجهل والخرافة، والغلو، والتطرف إنتاجه وتصديره.
إذا اقترب العالم من الذوبان الجمعي في ذات واحدة عملاقة تستثمر كل شيء حولها لذاتها الكبرى الجامعة، نُضيق نحن المسافة أكثر وأكثر نحو التجزئة والتشظي والعزلة الطاردة، تجد كل طائفة ملجأها فيها.
حاضرنا كأمة من المجانين بيدهم آلة الحرب، والقتل، ويشعرون بالقوة، وامتلاك الثروة الخالدة، لا أحد يستطيع أن يجزم بالوجهة، ولا أحد يملك القدرة على معرفة خواتيم الأمور، إن الشعوب العربية والإسلامية، أنجبت مسوخا على صورة بشر، يتقربون إلى إبليس بكل دنس، أوله ذبح الأطفال، وقتل الأسير، وسبي نساء المغلوبين.
هذا في قراءة التاريخ واقع كل أمة جاهلة مريضة بالغرور لتاريخ مجيد، لا تملك صفات أهله، ولا السبيل للعودة إليه.
ولذا أشعر أن هذا أوان كتابة تاريخنا المعاش الذي سيكون شهادة وفاة للوعي والضمير الجمعي. مجتمعات ميتة تمتلك القدرة على الحركة خارج قبورها ربما هي مشيئة إلهية ليدفن المجانين قتلاهم، وليستيقن الأبناء من بعدهم أنهم من أصلاب طين لازب، وحمأ من الرذائل الفكرية مسنون، حتى بات من الممكن في زمانهم أن تسمى فواحش الشام والعراق نفسها بدولة الإسلام. وأن يسمى إبليسها الرجيم نفسه بخليفة المسلمين، ثم يتردد الصدى لهذه التسمية في كل شيء أجوف فارغ، ويكون لها أتباع من خبال العقول وخبال التطوع الساذج.
لو كتبنا تاريخنا كأمة عربية الآن ستكون شهادة وفاة لقتيل قتل نفسه في لحظة جنون غالب. أو هي صورة لرقصة الشيطان التي تنتهي بتقديم روح بريئة منحور العنق أمام المعبد بحضور الكهنة في نشوة الوجد بالدم العبيط والجسد الساكن بعد حشرجة الروح الأخيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي