هل تعرف لماذا يصبحون «دواعش»؟
لا تُحسد منطقتنا العربية على وضعها الحالي المتدهور، على الرغم من إمكاناتها الطبيعية الوافرة، وموقعها الاستراتيجي المميز، وكونها مهد الحضارات والأديان، و"خير أمة أخرجت للناس"! بالتأكيد فإن الدين الإسلامي براء من "فوضى النحر والانتحار" التي تعيشها المنطقة، وبراء من بيع الأسيرات وشرعنة "نكاح الجهاد"، ولكن هذه الممارسات التي يندى لها جبين الإنسانية هي نتاج الفهم الخاطئ للدين الحنيف، وفشل الحكومات العربية في بناء "أوطان" تنصهر بها القوميات والأعراق والطوائف الدينية في وطن يحتضن الجميع وينتمي إليه الجميع. وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات والخلافات الدموية أحياناً بين الطوائف الدينية المتعددة على مر التاريخ، فإنها - في ظني - لم تصل لدرجة الدموية والوحشية التي آلت إليها في السنوات الأخيرة، خاصة مع ما شهده العصر الحديث من تطور في العلاقات البشرية، وتأسيس للمبادئ الإنسانية، وتنمية للوعي بحقوق الإنسان.
والسؤال المهم الذي يدور في أذهان الكثيرين عن كيفية لملمة الجروح وتقريب وجهات النظر من أجل تضييق الفجوة بين "الشيعة" و"السنة"؟ إن حسم الخلاف "فكرياً" ليس بالهين، خاصة إذا علمنا بالجذور التاريخية لهذا الخلاف العميق، ولكن العقل والحكمة والرغبة في "البقاء على قيد الحياة" تدعو لضرورة التعايش بين المذاهب الدينية، على الأقل من منطلق "لكم دينكم ولي دين"! إن العقل يدعو للتحرر من "الفصام" الذي تعيشه وتمارسه حركات دينية طائفية لا تعرف من أساليب الحياة إلا حياة الكهوف وحوار السلاح، إذ لا يمكن بناء مجتمعات حديثة تنعم بالتنمية والرفاه في ظل عقلية تتبنى حياة الماضي!
ولكن السؤال المحير فعلاً هو حول الدافع والمحفز لشاب يعيش في أقصى المغرب العربي أو "قاصر" ينعم برغد الحياة في بيئة خليجية، للانضمام لجيش داعش أو النصرة أو طالبان؟ هناك أطروحات فكرية وتعليلات نظرية، ولكن ليست هناك دراسات جادة تضع النقاط على الحروف. فالفهم الخاطئ للدين، وغياب العدالة والمساواة بين فئات المجتمع، والعجز عن حل قضايا مصيرية على رأسها قضية فلسطين، كلها عوامل قيل إنها تسهم في رفع مستوى الإحباط، ما يسهل استخدامها كذرائع لإقناع الشباب على مشروعية الجهاد من قبل دعاة التشدد. ووجود هذا المناخ والبيئة يُسهل استغلال الشباب ودعاة التشدد على حد سواء (وهم لا يعرفون) من قبل أطراف خارجية لتحقيق أهداف تلك الأطراف على حساب سمعة الإسلام ووحدة المجتمعات العربية وسلامتها. بعبارة أكثر صراحة، إن المجتمعات العربية بتكويناتها الفكرية السياسية وبنائها الطائفي والقبلي يجعلها لقمة سائغة للاستغلال لتحقيق أهداف خارجية أو حزبية، بل حتى شخصية!
ولتصحيح الوضع "القاتم"، لا بد من دراسات موضوعية بعيدة عن العاطفة والانتماءات المذهبية، تتبنى منهجية علمية، وتنتهي بتحديد المسؤولية إن كان أشخاصاً أو جهات أو برامج تعليمية أو خطاباً دينياً أو "أجندات سياسية"، فلا يمكن حل المشكلة من خلال علاج "الأعراض" symptoms بجرعات مسكنة أو ضربات كاوية تقذفها الطائرات الأمريكية عندما يلتهب الجرح! فستبقى النار تحت الرماد، وستبرز في مكان آخر، ما لم تتوافر الشجاعة المطلوبة لمعرفة الأسباب والإرادة الفاعلة للتعامل معها!