رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الظواهري يتسول الأضواء عبر البوابة الهندية

الإرهابي المصري الأحمق أيمن الظواهري زعيم ما يسمى بتنظيم القاعدة خرج علينا أخيرا من جحره في أحد الكهوف، التي يختفي فيها كالجرذان منذ مقتل سلفه أسامة بن لادن ليعلن عبر فيديو مسجل عن تأسيس فروع لتنظيمه الدموي البائس في الهند وبنجلادش وبورما تحت اسم "تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية"، وذلك على نسق "القاعدة في بلاد شبه الجزيرة العربية" و"القاعدة في بلاد المغرب العربي" و"القاعدة في بلاد الرافدين" و"القاعدة في القرن الإفريقي".. إلخ. ولم ينس الظواهري أن يبين أهداف الفرع الجديد لتنظيمه المتهالك وهو بحسب قوله "إقامة الخلافة الإسلامية في شبه القارة الهندية، وإنقاذ المسلمين من القمع والظلم، وتوحيد الأمة الإسلامية على الجهاد".
المراقبون توقفوا طويلا أمام هذا التطور متسائلين عما دفع الظواهري للخروج بإعلانه المذكور في هذا التوقيت بالذات؟
الإجابة من وجهة نظرنا بسيطة! فالرجل يتوسل اليوم الأضواء بأي طريقة، بعدما انحسرت عنه تلك الأضواء بخروج المدعو "أبو بكر البغدادي" على رأس تنظيم داعش الذي فاقت جرائمه ووحشيته وتطرفه وهمجيته كل جرائم ووحشية القاعدة وطالبان وأخواتهما في بلاد العرب والمسلمين ابتداء من بالي الإندونيسية إلى جنوب الصحراء الإفريقية. فوسائل الإعلام الدولية والإقليمية لم تعد منشغلة كثيرا بـ "القاعدة" بعدما فقدت مؤسسها الأصلي ابن لادن قتلا على أيدي القوات الأمريكية في عام 2011، وبالتالي خفـَتَ وهجها ولم يعد لها ميدان تتحرك فيه إلا الدول المنفلتة أمنيا مثل باكستان واليمن والصومال. وهي ــــ أي وسائل الإعلام ــــ تفضل أنْ تلاحق أعمال داعش الجبانة وتعري وحشيتها وتكشف عن المتواطئين معها، لأنها حديث الساعة حول العالم.
والظواهري من ناحية أخرى يسعى إلى تأليب الهنود المسلمين ضد حكومتهم المنتخبة الحديثة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، مستغلا ما يشعر به بعض هؤلاء من قنوط ويأس بسبب خروج حزب المؤتمر من السلطة في نيودلهي لصالح حزب يتهمونه بقتل الآلاف منهم في اضطرابات ولاية غوجرات الدموية في عام 2003.
وهو من ناحية ثالثة يريد افتعال أزمات جديدة بين القوتين النوويتين في شبه القارة الهندية "الهند وباكستان" عبر استمالة بعض الجماعات الإسلامية التي قل حماسها لجهة المشاركة في عمليات تنظيم القاعدة وراحت تبحث عن بديل يحقق لها نزعة الانتقام والعنف والتدمير مثل جماعة جيش محمد، ولاشكار طيبة، وطالبان باكستان وأشباهها المتطرفة في بنجلادش من تلك المناوئة لحكومة الشيخة حسينة واجد. فهذه الجماعات كانت دوما تتحرك ما بين الجارتين الهندية والباكستانية وتقوم بعمليات دموية، يتلوها تدهور العلاقات بين البلدين أكثر مما هي متدهورة منذ تقسيم الهند البريطانية، والظواهري يريد اليوم إعادة جمعها تحت مسمى جديد ودفعها مجددا نحو عمليات إرهابية كي تلقي كل دولة اللائمة على الأخرى فتحتقن الأجواء بينهما.
السؤال المطروح هو هل سينجح الظواهري في مسعاه الخبيث هذا؟
في اعتقادي ـــ وهو اعتقاد يشاركني فيه الكثيرون من متابعي الشؤون الهندية ــــ أن الظواهري لن ينجح وسوف تصاب خططه بفشل ذريع لأسباب كثيرة، فهو لا يستطيع استعادة الأضواء الإعلامية المسروقة منه ومن تنظيمه بسبب التسليط المكثف عالميا وإقليميا على داعش وزعيمه البغدادي، ولا سيما أن هناك تحركا وجهدا دوليين لوقف النمو السرطاني لهذا التنظيم بكل الوسائل.
وهو لا يستطيع أن يكسب المناصرين والأتباع ضمن عشرات الملايين من مسلمي الهند، مثلما فعل بن لادن في باكستان وأفغانستان، حينما استغل انتماءه إلى بلاد الحرمين الشريفين التي يتبرك البعض في هذه البلاد برجالها وينصتون لهم لمجرد أنهم أتوا من هناك. فالهنود، بسبب انفتاح بلادهم واستقرارها وتقدمها العلمي وتمتعهم بهامش واسع من الحريات، أكثر وعيا من نظرائهم في باكستان وأفغانستان دون أدنى شك.
أما استمالة المسلمين الهنود إلى خزعبلاته وأهدافه الطوباوية فيقف دونها ما هو معروف بصفة عامة عن الإنسان الهندي المسلم من وسطية واعتدال، واعتزاز بهويته القومية ونظامه الديمقراطي والتعددي وحرياته المكفولة دستوريا، وانشغاله بتحسين مستواه المعيشي عبر العمل الدؤوب والخلق والابتكار وتحصيل المعارف والعلوم النافعة. وآية كل هذا أنه لم يـُسمع عن أي تشكيل إرهابي هندي مسلح يمارس العنف عبر الحدود أو ينخرط مع الجماعات الإرهابية الدولية. وبطبيعة الحال فإن هذا لا ينفي عدم وجود بعض المتطرفين الهنود الذين غـُسلت أدمغتهم بفعل الاحتكاك بالآخر أو العمل في مجتمعات إسلامية شديدة المحافظة، فاستغلتهم التنظيمات الأجنبية المتطرفة وقودا لعنفها أو استغلتهم أجهزة المخابرات الباكستانية كعملاء لها لضرب مواقع هندية حساسة، ولا سيما داخل ولاية كشمير المتنازع عليها، أو داخل عاصمة الهند الاقتصادية "مومباي" على نحو ما جرى في عام 2008 على أيدي من سموا أنفسهم بـ "جماعة المجاهدين الهنود" لكن هؤلاء ليسوا سوى قلة، أو لنقل شواذ القاعدة.
وبالمثل فإن خلخلة النظام السياسي الهندي وإسقاطه عبر الضربات والعمليات العنيفة أمنية "ظواهرية" ليست سهلة التحقيق، بل هي من المستحيلات. فالظواهري قد يحقق مثل هذه الأمنية في باكستان حيث النظام مترنح، والمتاعب الاقتصادية متفاقمة، والاضطرابات الطائفية مشتعلة، وصراع الساسة المدنيين مع العسكر لا يتوقف، والدولة طبقا لبعض المراقبين فاشلة، والتجاذبات القبلية والجهوية ملتهبة، ناهيك عن أن له فيها أتباعا مسلحين على الأرض من بقايا طالبان وغيرهم. لكن أنْ يحققها في الهند فمن المحال وتنطبق عليها عبارة "عشم إبليس بالجنة"، خصوصا أن الحزب الحاكم اليوم في نيودلهي جاء إلى السلطة بأغلبية كاسحة. وهذه الأغلبية غير المسبوقة في تاريخ البرلمانات الهندية المتعاقبة تتيح لها بكل سهولة تمرير تشريعات حول قرارات وإجراءات أمنية وعسكرية مشددة لحماية الهند وشعبها المسالم من القتلة والإرهابيين من أمثال الظواهري وأتباعه ممن يريدون التلاعب باستقرار هذه البلاد الصاعدة وإلحاقها بالدول المنكوبة ومنع حكومتها الجديدة من ترجمة خططها الاقتصادية والتنموية الطموحة إلى شواهد على الأرض.
الأمر الآخر الذي لا بد من الإشارة إليه هو أن الظواهري بات لا يمثل إلا حفنة قليلة من المغرر بهم، وبالتالي فمهما أصدر البيانات وسجل أشرطة الفيديو فلن يكون له مجيب يستطيع تغيير الأوضاع على الأرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي