رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الحفاظ على الممتلكات التعليمية

مررت على المنطقة التي كانت توجد بها مدرستي الابتدائية، فلم أجد أثرا لذلك المبنى المدرسي الذي شيد فيها، وحل محله شيء آخر لا علاقة له بالتعليم. وبحثت عن اسم المدرسة فوجدت أنها انتقلت إلى أحد الأحياء قليلة الحظ ومنخفضة الدخل، بعدما كانت توجد في أحد أفضل أحياء الرياض في ذلك الوقت. وبحثت عن المدرسة المتوسطة التي درست فيها فلم أجد أثرا للمبنى المدرسي الذي كان موجودا قبل عدة عقود، وحل محل المبنى أماكن تجارية خاصة، وانتقلت المدرسة إلى جهة منزوية في أحد الأحياء. وسألت عن مدرستي الثانوية فعلمت أنها انتقلت إلى أحد الأحياء منخفضة الدخل وعلى بعد أكثر من 20 كيلو متراً من مكانها الأول. لقد كان يوجد الكثير من المدارس الحكومية في مواقع جيدة عندما بدأت النهضة التعليمية قبل عدة عقود. ومع ارتفاع أسعار العقارات بدأ العديد من المدارس يختفي من المواقع الجيدة التي كان فيها وتحل محله أنشطة أخرى لا علاقة لها بالتعليم أو تتحول بقدرة قادر إلى أماكن خاصة ومراكز تجارية. لقد حدثت تغيرات سكانية كبيرة خلال العقود الماضية، ولكن هذا لا يبرر التفريط في بعض المنشآت والممتلكات التعليمية. إن الاستثمار في التعليم هو أفضل وجوه الاستثمار حيث يعود بالنفع على الفرد المتعلم والمجتمع بعوائد مادية وغير مادية مرتفعة ولفترات طويلة من الزمن. وتعتبر المدارس قلاع العلم التي فيها ينمو ويزدهر، واستمرار وجودها والمحافظة عليها وتنميتها يقوي مسيرة العلم، وهو تقدير للمتعلمين والمعلمين الذين خدموا فيها.
وإضافة إلى التفريط في بعض المنشآت التعليمية في بعض الفترات، فقد تفتقت عبقرية بعض عباقرة التوفير المالي خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وتوقفوا عن إنشاء المباني المدرسية الملائمة للتعليم، وشرعوا في استئجار مبان قديمة وحولوها إلى مبان مدرسية، لا يملك معظمها المقومات الأساسية للعملية التعليمية. ومع مرور السنوات بدأنا نعاني من تفاقم معضلة المباني المدرسية المستأجرة. ولم يتوقف الأمر على هذا فقد لعب سوء التخطيط والإدارة غير الكفؤة والواسطة دوراً كبيراً في التخلي عن الكثير من الأراضي التي كان مخططاً أن تصبح مباني مدرسية وتحولت إلى مبان خاصة وتجارية. وقد أدت هذه الممارسات إلى ارتفاع نسب المدارس المستأجرة وغير المناسبة للمنشآت التعليمية التي لا تتوافر فيها مرافق مدرسية مناسبة، مما أضر بالمسيرة التعليمية للمدارس الحكومية. وإضافة إلى ذلك أدت هذه الممارسات إلى رفع كلفة إنشاء مدارس حكومية جديدة بسبب ارتفاع قيم الأراضي التي ضيعت بعض الإدارات التعليمية الكثير منها خلال العقود الماضية. وقد شاهدت قبل عدة سنوات إعلانا في إحدى الصحف المحلية يعرض البائع فيه أرضا مساحتها تزيد على خمسة آلاف متر مربع في أحد أحياء مدينة الرياض، وقد كتب في الإعلان أن الأرض كانت مخصصة كمجمع مدارس للبنات (سابقا).
وتشهد المملكة الآن طفرة اقتصادية كبيرة صاحبها صعود في قيم الأصول العقارية. ويوجد الكثير من الأراضي المخصصة كمرافق تعليمية في أماكن كثيرة من المدن الرئيسية، كما توجد مدارس ومبان جامعية قديمة في مواقع جيدة. وقد ارتفعت قيم هذه الأراضي والمباني، فهل ستمتد أيادي العبث للاستيلاء على هذه الأراضي والمباني؟ ويلقي معظم الناس اللوم في تضييع الممتلكات التعليمية على الفاسدين والإدارات التعليمية أو المرتبطة بالعقار أو بعض العقاريين فقط، ولكن الحقيقة أن المجتمع ككل مسؤول عن تضييع هذه المرافق، حيث ينبغي للغيورين على هذا البلد وكذلك البيئة الحاضنة للمدارس أي سكان الحي أو المنطقة الموجودة بها المؤسسة أو المرافق التعليمية رفع القضايا والشكاوى والتظلم للمسؤولين والجهات الرسمية، لوقف هذه الممارسات وحماية الأملاك العامة، وخصوصا التعليمية. كما يمكن للجهات الرسمية أن تؤسس لآلية معينة لتلقي شكاوى وبلاغات المواطنين عن التعديات والتفريط في المباني والأراضي التعليمية وأراضي الخدمات بشكل عام. وتتحمل وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزيرها الخلوق مسؤولية كبيرة في هذا المضمار، حيث يمكن أن توجد آلية لتلقي بلاغات وشكاوى المواطنين حول مثل هذه التعديات والتجاوزات، والحد من التفريط في الأراضي والمنشآت التعليمية. ويمكن للجهات المختصة مناقشة قضية تحويل العقارات التعليمية سواءً كانت أراضي أم مباني إلى أوقاف تعليمية، وذلك لمنع التصرف في هذه العقارات لغير الأغراض التعليمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي