التفكير الاستشرافي ما نصيبنا فيه؟
الكثير من الدول المتقدمة والمؤثرة في الساحة الدولية يوجد لديها مراكز التفكير الاستشرافي التي تهتم بمعرفة ما يمكن أن يقع مستقبلا، وكيف يمكن مواجهة المستجدات المتوقعة في المجالات كافة، سواء اقتصادية، أو سياسية، أو عسكرية، أو تغيرات اجتماعية تتمثل في التحولات في الثقافة العامة، والتوازن الطبقي، والعلاقات بين المكونات الاجتماعية، وسلوك الأفراد والمجموعات الإثنية العرقية، والدينية والمذهبية.
التفكير الاستشرافي لا يقتصر القيام به على المراكز المتخصصة فقط، ولكن الجامعات، والمعاهد العليا تمارس هذا النشاط لتكون النتائج معينة للحكومات والأوطان في رسم التوجهات، والخطط الواجب القيام بها لمواجهة التغيرات والتحولات المستقبلية، ومن أبرز الجهات الممارسة لنشاط التفكير الاستشرافي جامعة جورج واشنطن في أمريكا التي تمثل ذراعا قويا ذا خبرة متقدمة تساعد في اتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة الأمريكية.
التفكير الاستشرافي تحقيقه لا يتمثل بإيجاد مركز يعنى بهذا النشاط، بل بأن يكون التفكير الاستراتيجي هدفا، ومخرجا من مخرجات المؤسسات التربوية ممثلة في المدرسة، والجامعة التي يلزم أن تتضمن برامجها، وأنشطتها عمليات تدريب على التفكير الاستشرافي.
لو قدر لي الاقتراح بشأن تنفيذ عملية التدريب على التفكير الاستشرافي لاقترحت أن تبدأ العملية من مراحل التعليم الأولى وبالتحديد من المرحلة الابتدائية، ولتبدأ العملية في مناقشة أمور بسيطة تتناسب مع مستوى تفكير الأطفال، تكون على شكل مشكلات مفترضة يمكن تحديد الآثار المتوقعة لهذه المشكلات، والحلول الواجب الوصول إليها لتجاوز هذه المشكلات مع التفكير في الآليات، والأساليب المناسبة لمواجهتها، على أن تكون عملية التدريب على التفكير الاستشرافي متدرجة حسب العمر، والمرحلة الدراسية، مع ضرورة ربط المشكلات محل النقاش والمدارسة في الحياة اليومية والقضايا المعاصرة التي تمس حياة الناس.
قيمة التفكير الاستشرافي تتمثل في التهيؤ النفسي، والذهني لأي طارئ يواجه الفرد، أو المجتمع في الحياة، وإعطائه المناعة التي تمكنه من التماسك، وعدم الانهيار أمام الأحداث المفاجئة، والتقليل من آثارها، إن لم يتم احتواؤها، ومنع حدوثها، إضافة إلى التفكير المنظم، والعميق الذي يؤدي إلى التكيف مع الظروف المستجدة، وإبداع الحلول، ورسم الخطة المناسبة.
من الأمثلة على المواضيع التي قد تكون مجالا للتفكير الاستشرافي الطلاق لو حدث في الأسرة، أو التيتم، أو لو حصل حادث حريق في المنزل، وفي مراحل متقدمة يمكن طرح مواضيع مثل وقوع زلازل، أو حرب، أو لو فصل الفرد من عمله، كيف يمكنه مواجهة الحدث، وما التصرف الممكن الإقدام عليه. وعلى الصعيد الوطني لو حدث غزو، أو حرب مفاجئة كيف تتم مواجهة الموقف، والتصرف بالشكل المناسب، والمحافظة على تماسك الجبهة الداخلية، والقدرة على الإجراءات الإبداعية.
البدء بالتدريب مع الأطفال يترتب عليه إنضاج تدريجي لطريقة التفكير، والرؤية الشمولية، والقدرة على التعامل مع الموقف من الزوايا كافة، دون إهمال لأي عنصر من العناصر، ولذا مع الخبرة المتراكمة يتشكل الفرد القادر على اقتراح الحلول المناسبة، التي تؤهل المجتمع بكامله لرسم الخطط المستقبلية لأي طارئ، وهذا ما مكن الدول المتقدمة من احتواء أزماتها وأحداثها وفواجعها باقتدار، ومكنها من الهيمنة على العالم، وتوجيه الأحداث بالشكل الذي يخدم مصالحها، وبأقل التكاليف والخسائر.
المنهجية التربوية والتعليمية، المتمثلة في إرسال، واستقبال دون فرصة حوار للفرد، ولا إمكانية تنشيط لقدراته العقلية تجعله عاجزا في زمن الأزمات عن تقديم الحلول المناسبة لأنه لا تتوافر لديه آليات التفكير المناسبة.