رعاية الشباب أولا وثانيا وثالثا
يتحدث المهتمون بالشأن الرياضي والشأن الاقتصادي عن توجه الدولة للإنفاق الكبير على مجالات رعاية الشباب خصوصا المجال الرياضي، حيث ستوفر مخصصات كبيرة لهذا المجال الذي لم يأخذ نصيبه حتى الآن من الطفرة الاقتصادية الأخيرة ويتحدثون أن الإنفاق سيشمل استحداث منشآت رياضية في جميع مناطق المملكة وتخدم جميع الألعاب، كما أن التطوير سيشمل الكوادر البشرية العاملة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب والعاملين في المجال الرياضي بشكل عام، وأن العمل سيكون وفق خطط استراتيجية تنطلق من رغبة الدولة في رعاية شباب اليوم والغد لتمكينهم من استثمار أوقاتهم الحرة أو ما يسمى أوقات الفراغ بما هو مفيد ونافع تربويا وصحيا واجتماعيا وأمنيا ونفسيا وبما يجنبهم مخاطر أوقات الفراغ وما يترتب عليها.
وحسب علمي أن الأمير عبد الله بن مساعد الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية أصدر قرارا بتشكيل لجنة لإعادة صياغة استراتيجية العمل الرياضي في السعودية بمسمى "لجنة استراتيجية الرياضة السعودية" التي ستُعنى بتفاصيل عمل الاتحادات الرياضية للألعاب المختلفة ودراسة أوضاعها وبحث كل السبل الكفيلة لوضع السعودية في مصاف الدول المتقدمة رياضيا، واللجنة ستقوم بوضع خريطة طريق تضع الرياضي السعودي في مصاف ذوي الإنجازات على مستوى آسيا والعالم.
بالنسبة لي ولكثير ممن أعرفهم من الشباب وأولياء أمورهم لا يريدون الانتظار لفترات طويلة لحين إعداد الاستراتيجية ومباشرة تنفيذ برامجها لتحقيق الأهداف الرياضية التي يبدو لي أنها ستكون محصلة لحراك أهم وهو الحراك المتعلق برعاية الشباب من خلال توظيف الألعاب الرياضية وذلك بتمكينهم وبشكل عاجل من ممارسة الألعاب الرياضية التي تتوافق مع مراحلهم السنية وأبدانهم ومواهبهم بغض النظر عن تحولهم من ممارسين هواة إلى لاعبين محترفين، إذ إن الممارسة في حد ذاتها من قبل أعداد كبيرة من الشباب ستدفع بنسبة معينة منهم نحو التطور المهاري والمشاركة في البطولات المحلية ومن ثم توفير قاعدة عريضة للاتحادات الرياضية لاختيار الموهوبين وتأهيلهم للمشاركات الدولية.
رعاية الشباب من خلال الألعاب الرياضية لا تتطلب ابتداء سوى نشر الملاعب بجميع أنواعها ومستوياتها في جميع أنحاء المملكة وبتوزيع جغرافي مدروس ليشمل كل المدن والقرى والمراكز ومعظم أحياء كل المدن بطريقة مدروسة، حيث يتمكن الأطفال والشباب من الوصول للملاعب دون عناء أو مشقة وبأوقات قصيرة.
ونشر الملاعب يمكن أن يكون من خلال حراك سريع تتبناه الرئاسة العامة للشباب بالتنسيق مع وزارة المالية وتعاون وتكامل مع وزارة التربية ووزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانات المدن والبلديات التابعة لها، حيث إن معظم أوقات الأطفال والشباب يكون في المدارس أو في الحي الذي يقطنونه، وكلنا يعرف أن ملاعب المدارس يمكن أيضا تشغيلها بعد انتهاء الدراسة لخدمة الحي الذي تقع فيه ليتمكن أطفال وشباب الحي من ممارسة أي لعبة يريدون في هذه الملاعب التي يمكن أن يشرف عليها معلمون من وزارة التربية ذاتها يمكن تأهيلهم لهذه المهام على أن تصرف لهم مكافآت تشجيعية أو تفتح هذه الملاعب برسوم رمزية لتغطية تكاليف تشغيلها بما في ذلك مكافآت المعلمين والمدربين.
أعتقد أن وزارة الصحة التي تعاني مشكلة نمو أعداد المرضى بالتزامن مع النمو السكاني بشكل كبير ومخيف وبما يجعلها دائما في حرج، حيث إن نمو خدماتها الصحية أقل من نمو أعداد المرضى يجب أن تشارك في برنامج رعاية الشباب وبفاعلية أيضا على اعتبار أن ممارسة الرياضة ستحد من أوبئة أمراض العصر كالسمنة والسكر والضغط وأمراض القلب والشرايين التي يعود معظمها لضعف الحركة وعدم ممارسة الرياضة.
دول متقدمة سبقتنا برعاية الشباب من خلال الرياضية وحققت نتائج باهرة برعايتهم تربويا وصحيا وأمنيا وبالتالي فلسنا في حاجة لاكتشاف العجلة من جديد، فالأمر في غاية البساطة نشر الملاعب الرياضية ليمارس الأطفال والشباب الرياضة بطريقتهم، ومن ثم استكمال متطلبات تشغيلها باحترافية بمرور الزمن من خلال تأهيل المعلمين والمدربين السعوديين بشكل تراكمي سنويا والباقي سيكون أمرا تلقائيا، حيث سيتجه من يرى بنفسه الموهبة والقدرة إلى الأندية ليشارك في البطولات المحلية، ومن يتميز يتم اختياره من قبل الاتحادات للمشاركة في المنتخبات.
إذن علينا أن نقوم برعاية الشباب أولا وثانيا وثالثا بشكل سريع وعلينا أن نضع معايير قياس أداء لذلك لنعرف كم لعبة يمارس كل شاب، وكم ساعة يمارس الرياضة شهريا، وأي الألعاب أكثر تفضيلا، وفي أي وقت، وأي منطقة، ومن قبل أي فئة سنية، وهكذا. ولنعرف أثر ممارسة الشباب للرياضة على المستوى الصحي في البلاد وعلى المستوى الأمني وبكل تأكيد أثر ذلك في المستوى الرياضي كمحصلة.
شدني ما صرح به رئيس اتحاد السباحة الأمير عبد العزيز بن فهد بعد أن حققت الأعمار السنية الصغيرة 25 ميدالية في بطولة الخليج بالكويت "أن مسيرة التحول من عالم "الصدف" إلى عالم "الاستدامة" في توليد واكتشاف المواهب السعودية في السباحة قد انطلقت"، وإني على يقين أن ذلك لم يكن ليتحقق لولا أن اتحاد السباحة ركز على رعاية الأطفال والشباب ومكنهم من تعلُم السباحة في مسابح الرئاسة المنتشرة في جميع أنحاء المملكة الأمر الذي وفر له قاعدة جيدة للمشاركة في البطولات المحلية والاختيار منهم للمشاركة في البطولات الدولية.
أخيرا أتطلع لشراكة استراتيجية بين كل من الرئاسة العامة للشباب ووزارة التربية ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الصحة لإعداد برامج تنفيذية عاجلة لنشر الملاعب بجميع أنحاء المملكة وتحفيز وتمكين الشباب من ممارسة الرياضة وبناء مؤشرات أداء لقياس أثر ذلك أولا بأول في كل الأبعاد التنموية ومن ذلك التنمية الصحية.