رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ضعف سوق الصكوك والسندات

من ضمن الملاحظات التي أبديتها حول قرار السماح للمؤسسات الأجنبية الاستثمار المباشر في سوق الأسهم السعودية أن القرار تجاهل سوق الصكوك والسندات، التي هي بالفعل في حاجة ماسة إلى دخول المؤسسات الأجنبية والأفراد، عطفا على الخمول الواضح في هذه السوق المهمة. كما أن دخول الأجانب لهذه السوق لا تعتريه أي تحفظات ولا مخاوف، بخلاف سوق الأسهم، لسبب بسيط وهو أن امتلاك السندات لا ينطوي على ملكية ولا حقوق تصويت بأي شكل من الأشكال. لذا كان مستغربا ألا يشمل القرار السماح لدخول الأجانب للسوق المالية بجميع قنواتها، إلا أنه ترددت أخيرا أنباء عن عزم هيئة السوق المالية القيام بذلك. وعلى أي حال من الأحوال يبقى هناك سؤال مهم عن سبب ضعف سوق الصكوك والسندات السعودية كسوق أولية وسوق ثانوية، وهل سيكون هناك إقبال كبير فيما لو تم فتح المجال لتحريك هذه السوق الخاملة؟ وهل ستنتقل ثقافة الاستثمار والمضاربة في سوق الصكوك والسندات إلى المتعاملين المحليين؟
بدأت السوق المالية السعودية تداول الصكوك والسندات من خلال نظام "تداول" الآلي في منتصف 2009، غالبا بوجود عدد قليل من السندات المُصدرة لا يتجاوز سبعة سندات وصكوك، جميعها بلا استثناء عديمة التداول، بخلاف ما يعرف عن السندات العالمية التي تتمتع بإقبال كبير عليها من قبل المستثمرين كافة. على سبيل المثال تُقدر القيمة السوقية لجميع الأسهم في جميع البورصات العالمية بنحو 54 تريليون دولار، بينما يتجاوز حجم سوق السندات العالمي 157 تريليون دولار، بحسب دراسة لشركة مكينزي آند كومباني في عام 2011، حيث تشكل السوق الأمريكية وحدها نحو 25 في المائة من حجم هذه السندات. وسبب ضخامة حجم سوق السندات يعود لكونها تُصدر ليس فقط من قبل الشركات، كما هو الحال في الأسهم، بل كذلك من قبل الحكومات. كما إن السندات تستخدم كوسيلة لتحويل أصناف كثيرة من الديون إلى سندات متداولة، كما يتم في الرهون العقارية وقروض الطلاب وغيرها، حيث نجد كمثال في الولايات المتحدة أن السندات الحكومية تشكل نحو 30 في المائة من قيمة السندات في البلاد، تليها سندات الشركات بنسبة 25 في المائة، ومن ثم سندات الرهون العقارية بنحو 22 في المائة.
ربما أهم عائق أمام سوق الصكوك والسندات السعودية يعود إلى عمولة التداول، التي لم توضع بشكل سليم يخدم السوق والمتعاملين وينشط من حركة السوق، حيث نجد أن الحد الأعلى للعمولة التي يسمح للوسطاء فرضها على تداول السندات تساوي 1 في الألف من قيمة العملية، وبحد أدنى 500 ريـال. قد تبدو هذه العمولة قليلة وهي ليست كذلك. أولا لماذا يوضع حد أدنى للعمولة بواقع 500 ريـال؟ ما هدف الهيئة من وضع هذا الحد الأدنى؟ كيف للأفراد أن يتعاملوا بالسندات إذا كانت العملية ــــ مهما صغر حجمها ــــ ستكلف 500 ريـال على الأقل؟ أما في حالة قيام فرد أو مؤسسة بشراء صك واحد من الإصدار الرابع لشركة الكهرباء بمبلغ مليون ريـال، فسيدفع عمولة تبلغ ألف ريـال، بينما الفائدة السنوية لهذا الصك تبلغ 16.500 ريـال، أي أن 6 في المائة من الفائدة ستذهب لسداد العمولة، ما يعوق بشكل مباشر تنشيط السوق الثانوية. قارن ذلك بتكلفة العمولة في الولايات المتحدة لمثل هذه السندات التي تصل في بعض الحالات إلى عشرة دولارات فقط. المشكلة الأخرى أن بعض الصكوك تصدر بحد أدنى للشراء يفوق قدرة معظم الأفراد، كما نراه في صكوك الكهرباء ذاتها، حيث يبلغ الحد الأدنى لتملك الصك الواحد مليون ريـال! بالمقارنة نجد أن معظم السندات الدولية الحكومية والمؤسساتية يكون الحد الأدنى فيها غالبا ألف دولار وتنخفض إلى 100 دولار في بعض السندات الحكومية. إذا لتنشيط سوق الصكوك والسندات من الواجب على هيئة السوق تعديل ضوابط التعامل بالسندات لخفض تكاليف التداول وتشجيع المستثمرين على تداولها.
من المهم الإشارة إلى أن السندات يمكن المضاربة بها، كالأسهم، وتحقيق مكاسب رأسمالية من تداولها، على الرغم من كونها قليلة المخاطرة وتبدو مملة إلى حد كبير. تأتي الأرباح غالبا نتيجة انخفاض أسعار الفائدة بعد شراء المضارب سندات بأسعار فائدة ثابتة. على سبيل المثال، يرتفع بشكل كبير سعر السند المسعر بمعدل فائدة ثابت عندما تنخفض أسعار الفائدة، وذلك بسبب جاذبية السند الذي يمنح سعر فائدة أعلى من السندات الجديدة. أما في السندات المسعرة بمعدل فائدة متغير، مثل صكوك شركة الكهرباء المذكورة أعلاه، فإن الأرباح الرأسمالية تتقلص بشكل كبير لمحدودية تذبذب سعر الصكوك بسبب تغير سعر فائدة الصك تماشيا مع سعر الفائدة الرسمي. لذا فإن السندات ذات معدل الفائدة المتغير لا تصلح كثيرا للمضاربة، بل للاستثمار الآمن لعدة سنوات. على سبيل المثال، يمكن شراء صكوك شركة الكهرباء المذكورة بمبلغ مليون ريـال للصك الواحد، ودفع عمولة ما بين 500 إلى 1000 ريـال، بحسب علاقة المستثمر مع الوسيط. هذه السندات مسعرة فائدتها عند 70 نقطة أساس إضافة إلى سعر سايبور لمدة ثلاثة أشهر، وتبلغ حاليا نحو 1.65 في المائة. في حالة رغبة المشتري الاحتفاظ بالصكوك حتى تاريخ انتهائها في عام 2024، فإنه يتحصل على أرباح كل ثلاثة أشهر بواقع 4125 ريـالا وفي نهاية المدة يستعيد مبلغ المليون ريـال التي دفعها عند شراء الصكوك. وبما أن سعر الفائدة متغير، فلا توجد في الواقع أي مخاطرة على المشتري فيما لو ارتفعت أسعار الفائدة، كونه سيتحصل على أرباح أعلى من ذي قبل، وكذلك لن يتغير سعر الصك كثيرا بسبب خاصية تغير معدل الفائدة على الصك.
في السندات الدولية يمكن المضاربة بالسندات بشكل كبير مع إمكانية تحقيق أرباح رأسمالية عالية جدا. على سبيل المثال، يحدث كثيرا أن ينخفض سعر السند نتيجة تغيرات مهمة في هيكل الشركة المالي إلى درجة أنه يمكن شراء سندات قيمتها الاسمية ألف دولار بنصف هذه القيمة، على الرغم من أن تاريخ الاستحقاق قريب جدا. هناك شركات كبيرة ومعروفة قد تنخفض أسعار سنداتها بشكل كبير، نتيجة تخوف المستثمرين من تعثر الشركة، فيكون من الممكن شراء السند بـ 500 دولار وتسلم قيمته الاسمية "ألف دولار" بشكل كامل خلال أشهر قليلة أو حتى أيام قليلة، وتحقيق أرباح تصل إلى 100 في المائة خلال فترة وجيزة. المخاطرة الوحيدة هنا هي إعلان الشركة تعثرها عن السداد، الذي إن حدث بالفعل فقد يخسر الشخص جزءا كبيرا من ماله، فتكون المسألة راجعة للشخص ومدى تقبله للمخاطرة ومعرفته بالشركة.
سوق الصكوك والسندات مهمة جدا، وهي مكملة لأي محفظة وبديل آمن لكثير من المستثمرين، ويمكن التعامل بها بشكل متحفظ وعوائد قليلة ولكن آمنة، وبالإمكان المخاطرة بها بشكل يفوق أحيانا ما نجده في الأسهم. وفي السعودية هناك حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة تسعير الصكوك والسندات فيما يخص الحد الأدنى للشراء، وكذلك فيما يخص الحد الأدنى للعمولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي