# أقرأ
لا أتذكر متى كتبت موضوعاً متحمسا مثل هذا الذي أتطرق إليه اليوم، فالكلمات والمشاعر تزدحم في دماغي متدافعة للخروج. غريب أن الحماسة والعاطفة المتحركة تنتقل عبر الكلمات والمشاعر وكأن أعصابنا مرتبطة أطرافها بمواقد العاطفة، ومولدات الشعور.
في خيمة "إثراء" العملاقة، كانت الكراسي ضيقة ومتلاصقة حتى إنه لا يمكن لشخص معتدل أن يمر إلا بشق النفس، وربما شق طرف ثوبه. والقصة هنا بالذات ليست فقط الكراسي، ولكن من يجلس على هذه الكراسي الضيقة المحشورة ضمن ممرات تسري ضيقة في مسارها الطويل. القصة أو المعنى إن شئتم؛ من يجلس على هذه الكراسي؟ الجواب: كل أحد!
سأتسلم اليوم السيد عبد الله جمعة -أعانه الله- الرجل الذي يقف ضمن أشهر رجال النفط في العالم، رأس شركة أرامكو وترك فيها أثراً لا ينسى، وشارك في مجلس إدارة واحدة من أكبر شركات النفط الأمريكية العالمية، بطلب منهم. بعد تقاعده من "أرامكو". و"عبد الله جمعة" من تلك الشخصيات المثقفة التي تجري الثقافة ورحيق الفكر في جبلتهم الطبيعية بلا تكليف ولا تكلف. نعم، نعما هذه الحماسة التي تفتت أفكاري، كنت أتكلم عن الكراسي، هذا الرجل وفي عقر داره أخذ لهذه الكراسي الضيقة "المحزقة" تماما كي تجلس فقط وترتكن من الجهتين لجاريك في يمينك ويسارك. لم تكن مقاعد فخمة من الجلد الممهور، ولا من القماش الفخم، مقاعد حديدية لا شخصية لها إلا أن تجلس فوقها لا غير. ولم يكن السيد جمعة في الصف الأمامي بل كنا في صف نسيت أن أعد ترتيبه.
وأجد صفوة كتابنا في الشرقية ومثقفينا يتناطرون سلاما على بعضهم من تلك الكراسي وراء تلك الصفوف. ولم أجد واحدا ولا نصف واحد يحتج أو حتى يمتعض، أو حتى يفاجأ. الجميع كان مبتسما، بل إن السيد عبد الله الجمعة لم تغب ابتسامته أبدا من ذلك الوجه المنحوت، وكأن السنين تمر عليه وتنسى أن تترك أثرا.
الجميع لم يكن يأتي من أجل الكراسي، لم أر بشتاً واحدا، ولم أر شخصا يتقدم شخصا، كلنا محشورون مع بعضنا، وكان جميلا أن يكون على يساري شاب صغير، صامت وخجول ونكزته ليتكلم، ورأيت عينيه ستخرج من كهفيهما فهو لا يصدق أن يرى بجانبه السيد عبد الله جمعة، ثم يهتف بأذني أهذا الذي سلم عليك نبيل المعجل.. ما غيره؟! وأخرج كتاب "بل نبيل" المشهور، وقد سطونه بجيبه، وشجعته أن يحدث نبيلا، الذي كان مع الناقد الكبير محمد العباس والكاتب المفكر فاضل العماني يبعدون عنا صفين في الخلف. وأحرج الشاب. ثم قال إن أباه صديق لعبد الرزاق التركي الجالس في صفنا أيضا، وعبد الرزاق أشهر المكفوفين في منطقتنا إن لم يكن في البلاد، مع تاريخ إنجاز لا يصدق، والشاب لا يصدق أنه بجانب هذا الرجل الذي يتلكم عنه أبوه وكأنه أسطورة.
يا لهذه الحماسة التي لا ترتب انسياب المقال.. نعم، كنت أقول إن أحدا لم يأت من أجل الكراسي، ولكن من أجل مناسبة ثقافية صرفة، صغار عباقرة يقدمون تجربتهم بالقراءة في المشروع الذي أراه أول خطوة كبرى وراء، وليس أمام بوابة الأحلام.. فقد دخلنا أرض الأحلام بمشروع "أقرأ" بنموه المذهل وجاذبيته القوية ومتعته التي لا تعادلها متعة.. الأمس هو الأخير، ألغيت مواعيد من أهم المواعيد وترجيت من ارتبطت بهم أن يسمحوا لي.. كي لا تفوتني متعة اليوم الأخير.
المرة القادمة لن أرضَ بغير أن تبث مسابقات "أقرأ" التي تنظم تحت مظلة مشروع إثراء الفكري في شركة أرامكو في جميع وسائط الإعلام، وسترون أنها ستتفوق جماهيرية على كل ما يقدم من مسابقات الأغاني والرقص ذات الشعبية الكاسحة.
ما دليلك؟ من قال هذا؟ طيب أقول.. فقط تأمل الزحام في جهتي الرجال والنساء بالخيمة الضخمة..ولم تعد القاعة تسع، من أجل أن يروا هؤلاء الصغار وهم يعرضون أهم الكتب والحكام من مثقفينا الكبار.
يا لهذه الحماسة.. لا، لا تكمل. انتهى حيز المقال!