رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ألغاز التعليم الجامعي (1)

اليوم قررت أن أترك جميع كتب الاقتصاد والفلسفة التي أمامي، ولا أعتقد أن المراجع الرئيسة في نظريات المحاسبة والمراجعة سوف تعينني على الفهم، ذلك لأنني لم أجد مبررا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا حتى من المنطق الرياضي لعدد من الألغاز التي حيرتني ولهذا أضعها أمام القارئ الكريم، لعل أحدهم يعينني على الفهم:
1- قبول الطالب في الجامعة يعتمد على درجة تسمى "الموزونة" وهي خليط غير متجانس من درجة اختبارات "قياس" ودرجات الثانوية، لكن المشكلة التي حيرتني أن درجات اختبارات القياس هي حصيلة اختبار يوم واحد للقدرات واختبار يوم واحد للتحصيلي، بينما "الثانوية" هي درجة تراكمية لثلاث سنوات درس الطالب فيها ما لا يقل عن 50 مقررا، (تقريبا 37500 ساعة من الدراسة) بخلاف درجاته في الحضور والسلوك وغيرها من الأنشطة، فكيف يمكن جمع كل هذه الأرقام غير المتجانسة في رقم واحد ثم ندعي أنه الأنسب للتعبير عن قدرة الطالب على النجاح العلمي في الجامعة. يا مثبت العقول، فما أعرفه من كل كتب الفلسفة والرياضيات والاقتصاد والمحاسبة أنه لا يمكنك خلط مقاييس غير متجانسة حتى ولو كانت أرقاما أو نسبا، لا يمكن خلطها من أجل خلق مقياس جديد ثم نمنح هذا المقياس معنى ومفهوما جديدا، هكذا من عند أنفسنا. فمثلا في الاقتصاد لا يمكن وضع معدل البطالة مع معدل الفائدة مع الناتج الوطني وإنتاج مؤشر موزون من بينها جميعا ثم نقول، هذا مقياس جديد للاقتصاد السعودي، وهل يمكن القول بأخذ درجة الحرارة في جسم الإنسان ونسبة الضغط وعدد نبضات القلب والوزن والطول ثم خلق درجة موزونة ونقول إنها هي مؤشر قدرة الطالب صحيا للدخول في الكليات العسكرية؟ فتجميع كل هذه المقاييس في مقياس موزون لمجرد أنها أرقام لم أعرف له نظيرا من قبل إلا في معايير القبول في الجامعات السعودية.
2- لا أفهم كيف أن الطالب وبعد أن يتم قبوله في الجامعة وفقا لهذه النسبة الموزونة المدهشة يدخل سنة تحضيرية الهدف منها - كما نعرف - هو تحضير الطالب وتهيئته للدراسة في الجامعة وردم الفجوة بين التعليم العام والجامعي، وتعريفة بالجامعة وتخصصاتها، ثم إذا انتهى الطالب من هذه "السنة" التحضيرية الطويلة وبمعدل يصل إلى أكثر من 4.5 من 5 يتم توجيهه إلى كلية لم تكن رغبته الأولى، ولا حتى الثانية، بل ولا حتى الثالثة، ويضاف إلى ذلك أنه ممنوع من التحويل ومن الحذف ومن الإضافة بحجة أنه طالب مستجد. والتبرير لكل هذا أنه تم أخذ درجة "الثانوية" ودرجات "قياس" ومعدل الطالب في السنة التحضيرية لخلق "درجة موزونة جديدة" تحدد التخصص الذي تقرره الجامعة، يا مثبت العقول. أريد وصفا رياضيا أو فلسفيا أو تربويا - بل مما تريدون - لتفسير هذه الدرجة الجديدة، كيف تم خلط كل هذه المعدلات التي مضى على بعضها سنوات تصل إلى الثلاث أو الأربع السنوات مع معدلات جديدة من مجال معرفي مختلف تماما، أم لأنها كلها أرقام ونسب فلا حرج في جمعها جميعا. ثم حتى لو تجاوزنا هذه، ما الفائدة من السنة التحضيرية إذا كان الطالب بعد أن يجتازها وبمعدل مرتفع لا يزال في نظر الجامعة والكليات طالبا مستجدا غير مؤهل حتى لحذف وإضافة مواد، بل ما الفائدة منها أصلا إذا كانت رغبة الطالب ليست محل نظر. وهل يكفي مبررا أن نقول، إن هذه التخصصات موجودة في الجامعة ولا بد من تعبئتها، ولذا لا بد من إجبار الطلاب عليها حتى ولو أنها غير مرغوبة منهم ولا مطلوبة من سوق العمل.
3 - لا أفهم كيف أن الطالب المتفوق في "الثانوية العامة" الذي حصل على درجات مرتفعة في اختبارات القياس ثم بعد تحديات القبول في الجامعات السعودية، وبعد سنة تحضيرية تهدر كل رغباته ليصبح في مهب الرياح لمدة قد تصل إلى عامين قبل أن يصحح مساره المفروض عليه من خلال التحويل بين الكليات والجامعات، كل هذا وهو "متفوق". فإذا لم يكن متفوقا، فإنه يجد طريقا (أسهل) يذهب في بعثات إلى الولايات المتحدة ويدرس التخصص الذي يرغبه في جامعات تمنح الكثير من الحرية في الاختيار وتمضي السنوات ليتخرج طالب الولايات المتحدة بلغة مطلوبة وعلم مهني له سوق، وأبواب الشركات مفتوحة، بينما زميله "المتفوق" في الثانوية لا يزال يطلب تحويله إلى التخصص الذي يرغبه، وإن تخرج بعد جهد جهيد لم يجد له مكانا في سوق العمل.
4 - يا مثبت العقول، لا أفهم كيف أن طالبا متفوقا في الجامعات تخرج بمعدل ممتاز يحمل ملفه وتوصيات أساتذته يجول بها بين الجامعات السعودية بحثا عن وظيفة "معيد" ليتم تعيينه بعد في أطراف الوطن ليبدأ بعدها رحلة مضنية طويلة تمتد لسنوات يبحث فيها عن قبول للدراسات العليا، لأن الجامعة تشترط عليه شروطا تجعل الحليم حيران عن ماهية الجامعة التي ينوي الابتعاث لها والتخصص، بل وصل ببعض الجامعات إلى أن تشترط توقيعا خاصا في خطابات القبول من مسؤول خاص وليس أي خطاب، وفي مقابل هذا نجد زميلة الذي تخرج معه لكن بمعدل "مقبول" قد تم ابتعاثه من جهات أخرى وقد اختار جامعته بنفسه ودرس وأنهى الماجستير والدكتوراه وعاد يخدم وطنه في جامعات يسافر مديروها ووكلاؤها لحضور حفلات التخرج بحثا عن خريجي الدكتوراه والماجستير من مبتعثي المؤسسات الأخرى، بينما زميلنا المعيد عندهم (المتفوق لسوء حظه) مازال قابعا هناك يبحث عن قبول يرضي مدير الجامعة ووكلاءها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي