إثراء المعرفة وإلهام الفكر
ليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها عن "أرامكو" ودورها التنموي ليس في مجال إنتاج النفط، ولكن في مجالات عدة، أهمها في نظري الإسهام في إعداد الطواقم البشرية، وتأهيلها، وإكسابها المهارات التي تؤهلها للعمل في مجال النفط، حتى أن الكثير من أبناء المملكة ومن مناطقها المتعددة خرجوا من مدنهم وقراهم أميين لا يقرأون، ولا يكتبون، وبعد التحاقهم بالعمل بها أصبحوا مهندسين، وفنيين، وإداريين، ومن ثم برز الكثير منهم في مجال التجارة، والصناعة، وأسهموا في بناء وتنمية الوطن.
ما دعاني لإعادة الكتابة حول "أرامكو" المعرض الذي أقامته في مدينة الرياض خلال الفترة من 2/ 10/ 1435 هـ وحتى 2/ 11/ 1435هـ. زرت المعرض، وقبل الحديث عن مشاهداتي يحسن العودة إلى أول معرض حضرته لـ "أرامكو"، وذلك عندما كنا في المرحلة الابتدائية، حيث المعرض المتنقل الذي يزور المناطق، ويعرف بنشاط "أرامكو" في استخراج النفط، الثروة الرئيسة في المملكة، ويؤخذ طلاب المدارس للزيارة، ولا أخفي السعادة التي غمرتنا أنا وزملائي بالذهاب للمعرض، كما لا أخفي الانبهار الذي حدث لنا، ونحن نتجول، ونستمع إلى شرح القائمين عليه، إضافة إلى الأجهزة التشبيهية التي يتم الشرح من خلالها.
معرض الرياض لم يركز على صناعة النفط، كما هو المعرض المشار إليه آنفا، بل إنه أكثر شمولية، وتخطى المعرض المهني المتخصص إلى المعرض ذي الهوية الحضارية التي تستثير الذهن في قضايا الكون، ونشأته وتكوينه، وأسراره، وقوانينه التي لا ندرك منها إلا الظاهر، ولعل المقارنة بين الكواكب، والأجرام بأحجامها، والمسافات الفاصلة بينها، والمتضمن في جناح أسماء الله الحسنى يكشف مقدار جهلنا في هذا الكون الذي لا تمثل الأرض التي نعيش عليها ونتعب ونشقى في التعامل مع تضاريسها، ومسافاتها إلا ذرة صغيرة فسبحان من خلق وأبدع.
وأنا أتجول في جناح أسماء الله الحسنى، وصالاته المختلفة، الذي كان مبهرا بكل ما تعنيه الكلمة بفكرته، وإخراجه، وطريقة العرض فيه تساءلت هل وزارة التربية والتعليم، والجامعات، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والهيئة العليا للسياحة والآثار يمكنها أن تنتج مثل هذا العمل ليتم استثماره في مجالات الدعوة لما فيه من جرعة إيمانية تتشكل والمرء يتأمل في الحقائق العلمية بشأن الكون، وتكوينه، وفي السياحة، كما في صالة مدائن صالح، وفي اكتشاف القوانين العلمية واستثارة الطلاب وتشويقهم لذلك؟ ما من شك أن هذه الجهات وغيرها يمكنها فعل ذلك متى ما وجدت الإرادة، ومتى ما تخلت عن التفكير النمطي التقليدي الذي أضعف من إنتاجها لمشاريعها لاعتمادها على أساليب تفكير غير إبداعية رغم توافر الإمكانات الهائلة لدى هذه الجهات.
جناح ألف اختراع واختراع الذي يعرض بعض الاختراعات، ودور المسلمين الأوائل في ذلك، ورغم أننا قرأنا حول بعضهم، إلا أننا لم نسمع عن البعض الآخر، وقيمة هذا الجناح أنه بطريقة إخراجه الجذابة، حيث يخاطبك ابن ماجد، أو عباس بن فرناس، أو الحسن بن الهيثم تستعيد الثقة في نفسك، وفي أمتك لما لها من أمجاد تشحذ الهمم، وتقوي العزائم، والسؤال التربوي لماذا لا نحول مناهجنا بالإمكانات الضخمة المتوافرة إلى ما يجعل المدرسة جاذبة وغير منفرة؟!
جناح كفاءة الطاقة هو الآخر جاذب ومهم لأنه يربط الطاقة واستخداماتها بحياة الناس والأساليب الأفضل في توفير الطاقة واختيار الأجهزة المناسبة.
لست هنا لأعيد عرض المعرض، إذ إن ذلك مستحيل، فلا بد للمرء أن يوجد فيه، ويتعايش مع مكوناته، ولعله من المناسب أن أشير إلى الفريق التطوعي في المعرض، والبالغ 500 فرد من الذكور، والإناث والكبار والصغار، وحقا إن المعرض إثراء للمعرفة، وإلهام للفكر.