رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى الشرق دُر

قبل انطفاء الحرب الكونية الأولى في عام 1918 كان الاقتصاد السعودي محصورا في الاتجار مع الشرق، خاصة مع الهند ولم تكن لنا تجارة مع أوروبا أو أمريكا، وكانت المملكة تستورد من الهند الأرز والسكر والحبوب والشاي والبهارات بكل أنواعها، كذلك تستورد المنسوجات كالبفتة و"السليطي" وبعض أنواع المنسوجات الحريرية النسائية التي كانت تعتبر آخر ما توصلت إليه الموضة في الشرق.
ومن أجل تنظيم وتنشيط التجارة بين الهند والسعودية نشأت بيوت التصدير في الهند وفي السعودية، بعضها هندي وبعضها سعودي، ومن البيوت السعودية التي كانت تتولى التصدير من الهند، بيت الحاج زينل علي رضا، والحاج سليم الحننجي وكانا من تجار جدة المعروفين الذين افتتحوا بيوتا تجارية في الهند، ثم افتتح بيت الجمجوم بيتا تجاريا لهم في الهند، وكذلك افتتح الشيخ إبراهيم الفضل بيتا تجاريا في بومباي، وكان أشهر البيوت التجارية الهندية في جدة بيت عبد الله بهاي.
وكما أسلفنا فإن دور هذه البيوت هو تنظيم وتنشيط التجارة بين السعودية والهند، وكانت الطريقة المتبعة في تنشيط التجارة البينية طريقة تقليدية إلى حد كبير، حيث إن وسائل الاتصالات والمواصلات لم تكن قد وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، ومؤداها أن المصدرين يبرقون إلى التجار المستوردين في جدة في حال تعيين باخرة، ويذكرون لهم الأسعار القائمة للبضاعة المنوي تصديرها، وتصل البرقيات إلى جميع التجار في وقت واحد وبسعر واحد، فيعين كل تاجر الكمية التي يرغب في استيرادها، ويجري تحويل المبالغ بالروبيات الهندية إلى المصدرين، فإذا وصلت الباخرة كان جميع المستوردين لهم حصة فيها، وكانت الروبية الهندية، وليس الدولار الأمريكي هي العملة الدولية السائدة في التجارة الدولية.
وإلى جانب البيوت العربية الخاصة بالاستيراد من الهند كانت هناك بيوت عربية أخرى تخصصت في تجارة اللؤلؤ، وأهمها وأكبرها كان البيت الذي أسسه الحاج محمد علي زينل رضا مؤسس مدارس الفلاح، وبيت كانو وهو من كبار البيوت التجارية في المنطقة الشرقية، ولاشك أن أهمية التجارة مع الهند هي التي دفعت التجار العرب، ليس من الحجاز فحسب، وكذلك من نجد والخليج إلى افتتاح مراكز تجارية لهم هناك.
وعموما كان الاقتصاد السعودي اقتصادا معتلا يقف على قدم واحدة وهو الاستيراد، ولذلك كنا نستورد من الشرق ولا نصدر له شيئا لأن اقتصادنا كان محدودا للغاية، ولكن بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وسقطت الإمبراطورية العثمانية وانفرطت الدول العربية وضع الغرب الكثير من دول الشرق الأوسط تحت نفوذه السياسي وهيمنته الاقتصادية.
وبعد الحرب الكونية الثانية 1945 غيرت التجارة الدولية بوصلتها من الشرق إلى الغرب تماما، ونشأت في جدة الكثير من البيوت الأوروبية مثل جلاتلي هنكي وعبد الله فيلبي وميتشل كوست وغيرهم.
وهكذا بدأ الغرب يعنى بالسوق السعودية، خاصة حينما نجحت الشركات الأمريكية متعددة الجنسية في التنقيب عن البترول، فكان الغرب حريصا على التنقيب عن البترول في الأراضي السعودية، ثم استيراد البترول من السعودية.
وشيئا فشيئا بدأت بوصلة التجارة تنسحب من الشرق وتتجه إلى الغرب لاستيراد المزيد من السلع والخدمات الجديدة على السوق السعودية مثل مواد البناء والكهرباء والسيارات والساعات والإكسسوارات وأدوات التجميل، والسلع الغذائية بمختلف أشكالها وألوانها، ثم ارتبطت التجارة مع الغرب بعمليات التحديث الواسعة الانتشار بدءا بالإبرة حتى الصواريخ والأسلحة الفتاكة.
وهكذا بدأت السوق السعودية تشهد نموا مطردا بشكل لم يسبق له مثيل، ووثقت علاقاتها مع الغرب، خاصة مع الولايات المتحدة التي وقعت مع السعودية على اتفاقات استراتيجية تجارية وسياسية وعسكرية واسعة الأرجاء.
وبذلك أخذت العلاقات التجارية مع الشرق تتراجع، بينما أخذت العلاقات التجارية مع الغرب تزيد معدلاتها بشكل لافت جدا، وفي جميع مجالات الحياة حتى المجالات الثقافية، حيث جذبت الجامعات الغربية المبتعثين السعوديين الذين تهافتوا على الدراسة في الجامعات الغربية.
واليوم بدأنا نشعر بأن بوصلة العلاقات التجارية مع الشرق بدأت تعاود الاتجاه نحو الشرق، فلقد وقعنا اتفاقيات شراكة استراتيجية مع اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية، وإذا قدر لهذه الشراكة أن تنمو وتزدهر، فإن العلاقات الاقتصادية مع الشرق ستشهد تطورا يعيد ماضيها الزاهر.
وفي هذه الأيام تتدفق المعلومات التي تؤكد أن الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية ستصبح دولا اقتصادية تهيمن على مجريات الاقتصاد الدولي، بل تتداول مراكز الأبحاث في هذه الأيام معلومات تشير إلى أن الصين ستتقدم على الولايات المتحدة في ناتجها الوطني، وستصبح الدولة الأولى على مستوى العالم، وبعد الصين تتجه الأنظار إلى الهند وكوريا الجنوبية، حيث تتسابق هاتان الدولتان في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهذا يعني أن الشرق بدأ يسحب البساط من تحت أقدام الغرب، وبدأ يأخذ راية التقدم من الغرب، وأن الغرب بدأ يسجل تراجعات ستجعله يفقد الصدارة والمقدمة.
والسؤال الآن ماذا أعددنا نحن لهذا التحول في اتجاه التجارة الدولية، هل سنظل دولة استهلاكية تستورد السلع والخدمات من هنا وهناك، أم أننا نسعى في هذه الجولة كي نكون دولة تتبادل المنافع وتسهم بقسط في زيادة معدلات التجارة الدولية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي