رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف يتصرف النرويجيون في نفطهم؟

النرويج دولة تقع في أقصى شمال أوروبا. حباها الله كما بعض الدول العربية بكميات كبيرة من النفط والغاز التي بدأت تتدفق وبكميات تجارية في نهاية الستينيات من القرن الماضي.
والنرويج دولة شقيقة للسويد لأن البلدين كانا تحت حكم ملكي واحد ويتكلمان لغة واحدة بلهجتين مختلفتين ولكنهما متقاربتان وانفصلا عن بعضهما في 1905.
في غضون نحو 50 عاما كونت النرويج ثروة هائلة من صادراتها النفطية وهي اليوم واحدة من أغنى دول العالم ولكنها لم تنفق إلا القليل من هذه الواردات، حيث استثمرت غالبيتها وتستخدم جزءا من أرباحها لتطوير الخدمات الاجتماعية والعامة والقطاعين الصناعي والزراعي.
عدد سكان النرويج نحو خمسة ملايين وكلهم قاطبة أغنياء ولكن الغنى من حيث القناعة والثقة وليس البذخ. للنرويج صندوق سيادي يبلغ نحو 900 ألف مليون دولار ومن خلاله تملــك النرويـــج 1 في المائة من كل الأسهم المسجلة في بورصات العالم.
ولو قامت النرويج ببيع الأسهم التي تملكها لصار كل نرويجي مليونيرا في لحظة واحدة ولكن هذا ليس هدف الحكومة والشعب معا.
هذه الدولة تطبق نظام حكم خاصا يطلق عليه "الاشتراكية الديمقراطية" وهو نهج تتبعه أغلب الدول الإسكندنافية ومنها السويد. هذا النظام إن عرّفناه باختصار فإنه يعني "الثقة" ــــ بمعنى آخر الشعب والحكومة يتبادلان الثقة والشفافية ويعدانهما كنزا أثمن من الصندوق السيادي الذي يعد الأكبر في العالم.
ولأن الكل يعمل ضمن نطاق الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف نادرا ما ترى في هذا البلد مظاهر البذخ والصرف غير المبرر. لن تقع عينك على سيارات فارهة ذات زجاج مظلل، ولا ترى نساء وهن يحملن حقائب ذات سعر خيالي ويمشين ووراءهن خادمات. البساطة صارت جزءا من السليقة في المجتمع.
هناك فرق كبير في الطريقة التي تصرفت وتتصرف بها النرويج في ثروتها النفطية والطريقة التي تتعامل دول نفطية أخرى بمدخولاتها من مبيعات النفط. في النرويج يتوقع رئيس الوزراء أو أي مسؤول آخر مهما علا شأنه أو مقامه أن تتم محاسبته من قبل مواطن عادي في قضية يملك فيها الدليل أن أمرا سلبيا قد وقع.
ولأن الثروة ملك الشعب والأجيال اللاحقة لم تحدث هبة صرف للمدخولات النفطية أكثر مما يتطلبه المجتمع وعدد السكان "خمسة ملايين" الذين ينتجون بسعر الصرف "الإنتاج المحلي الإجمالي" ما قيمته 515 مليار دولار في السنة وهم لا يستوردون العمالة الأجنبية ولا أفراد الخدمة المنزلية.
والمداخيل عالية جدا ولكن الفرق بين ما يتقاضاه العامل البسيط ومديره التنفيذي ليس كبيرا جدا وهذه ميزة النظام الاشتراكي الديمقراطي.
والحياة غالية حتى بالنسبة إلى السويديين. وجبة غذاء بسيطة جدا "سندويتش" يكلف أكثر من 50 دولارا وفنجان الشاي أكثر من عشرة دولارات، مع ذلك فإننا نتصارع للحصول على وظيفة أستاذ زائر في أي من جامعاتها لأن المداخيل كبيرة وهي فرصة لنا للادخار.
يتباهى النرويجيون بنظامهم الاشتراكي الديمقراطي الذي يستند إلى الثقة، حيث قلما يحصل تحايل على القانون أو الضريبة. والكذب تقريبا لا وجود له في التعامل لأن الثقة المتبادلة والشفافية هما الحكم بين الناس وبين الناس وحكامهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي