ضعف الإنتاجية.. أسباب وحلول
في مناسبات عدة قدر لي أن أتحدث مع رجال أعمال، ومديري إدارات حكومية، أحاديث عفوية، وليست رسمية بشأن الإنتاجية في العمل من حيث مقدارها، والمؤشرات الدالة عليها، وأداء المواطن السعودي، ومدى الرضا عن ذلك. وقبل الحديث عما لمسته بشأن هذا الموضوع تحسن الإشارة إلى أن دراسات عدة عملت في العالم العربي أشارت إلى تدني الإنتاجية في عموم العالم العربي، حتى أن بعضها توصل إلى أنها لا تتجاوز نصف ساعة يوميا على افتراض أن ساعات العمل ثماني ساعات.
وبهدف معرفة الصورة الحقيقية، واكتشاف الواقع في هذا الموضوع المهم، والأساس، والذي تتأثر به برامج التنمية إيجابا وسلبا، يلزم الإشارة إلى أن اتجاهين عامين يبرزان عند مناقشة الموضوع، الاتجاه الأول يركز فيه على الوقت الذي يقضيه الموظف، أو العامل في مكان العمل، أي متى يحضر، ومتى ينصرف بغض النظر عما يفعل، هل يقضي الوقت في قراءة الجرائد، وتصفح الإنترنت أم في الحديث مع الزملاء، أم في الحديث على الهاتف في أمور ليس لها علاقة بالعمل، إذ إن عمليات التسويق لبعض البضائع تعتمد على الاتصال الهاتفي.
الاتجاه الثاني الذي يبرز يتمثل في التركيز على الإنتاجية من خلال مقدار الإنتاج، وكميته، وهذا الاتجاه يمكن تناوله من خلال الكمية بغض النظر عن الجودة، أو الكمية مع الجودة وهذا هو المهم، فالموظف الإداري قد ينجز معاملات عدة، ولكن يوجد فيها الكثير من الأخطاء مما يوجب العمل عليها مرة أخرى، وإضاعة الوقت، أو عدم الانتباه لهذه الأخطاء، ومن ثم إحراج الإدارة، أو وقوعها في مشكلات مع أطراف أخرى.
أسلوب تعمد كثرة الأخطاء حيلة يلجأ إليها بعض الموظفين حتى لا يكلف بأعمال أخرى، خاصة إذا كان هناك من الزملاء من يمكن إحالة العمل إليه لإنجازه بصورة أفضل. في واقعة حقيقية أثناء تكليفي بمهام إدارية اكتشفت أن سكرتيرا يعمل معي في المكتب يتعمد كثرة الأخطاء تجنبا لإحالة الأعمال إليه، حتى أنه ذات مرة وقع في 14 خطأ طباعيا في صفحة واحدة، وبعد إطالة النفس والمراجعة المستمرة لما يكتب وإعادة العمل عدة مرات، اكتشف أنه من الأفضل له إتمام العمل من المرة الأولى دون أخطاء.
من الخبرة في العمل الإداري لعدة سنوات ومن التأمل في سلوك بعض الموظفين، وفي محاولة للإجابة عن سؤال لماذا ضعف الإنتاجية، تبين لي أن عوامل بيئية، وأخرى نفسية تمثل أسبابا رئيسة لضعف الإنتاجية، العوامل البيئية تتمثل في أن تكون بيئة العمل يغلب عليها الفوضى، وعدم الاهتمام، وهذا ما يتكرر سماعه بشأن بعض الدوائر حتى أن الإدارة قد يتغير وضعها للأفضل في حال تغير المسؤول.
فالجانب الرقابي الضعيف تلازمه فوضى وقلة إنتاجية، لغياب مفهوم المحاسبة، كما أن عدم وضوح الأنظمة، أو عدم وجود أنظمة كافية يكون سببا لاجتهادات تؤثر سلبا في الإنتاجية. إن نقص الإمكانات المادية اللازمة لإنجاز العمل بالشكل الصحيح يؤثر في كمية الإنتاج، ونوعيته، ولذا فإن توفيرها يسقط الأعذار عمن يبحثون عنها. افتقاد الشفافية، والشعور بعدم العدالة بين العاملين تمثل أسبابا جوهرية للتراخي، وضعف الإنتاجية، كما أن الشعور بعدم اهتمام المسؤول الأعلى، وتلاعبه بالأنظمة، واستغلال بيئة العمل لتحقيق مكاسب شخصية يترتب عليه الإخلال بالعمل من قبل الآخرين، وهذا الوضع ينطبق عليه قول الشاعر:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا
فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
الحوافز بأنواعها المادي والمعنوي أثرها بالغ في الأداء، والإنتاجية، كما وكيفا، فمتى تم توظيفها بالشكل الصحيح تأتي النتائج بالصورة المأمولة.