حركة المضاربين تؤثر مرة أخرى في أسواق النفط
واحد من أفضل الأمثلة على الترابط القوي بين أسعار العقود الآجلة للنفط الخام ونشاط المضاربة في أسواق النفط، هو تراجع أسعار العقود الآجلة لخام برنت أكثر من عشرة دولارات للبرميل منذ منتصف حزيران (يونيو)، الذي تزامن مع الانخفاض السريع في صافي عقود الشراء للمضاربين. على مدى الشهرين الماضيين، خفض المضاربون صافي عقود الشراء بنحو 170 ألف عقد، خفض هذا الإجراء عمليا من الطلب على العقود الآجلة لخام برنت؛ ما شكل ضغوطا تنازلية على أسعار النفط الخام. على الرغم من هذا الترابط الواضح بين حركة الأسعار ونشاط المضاربين، إلا أنه لم يكن هناك أي مطالب من قبل حكومات الدول المستهلكة الكبرى لإجراء تحقيقات في التلاعب في الأسعار من قبل المضاربين كما حدث في الماضي القريب، من المؤكد أن السبب في ذلك هو أن الأسعار كانت تتجه نحو الهبوط بدل الارتفاع.
ظهر هذا النمط الواضح أيضا بين حركة المضاربين والأسعار في العقود الآجلة لخام نايمكس والعقود الآجلة للمنتجات المكررة وكذلك خلال الفترة نفسها. كقاعدة عامة متعارف عليها لدى الوسطاء التجاريين Brokers، أن لكل 25 ألف تغير في صافي مراكز المضاربة للعقود الآجلة لخام برنت، يتغير سعر النفط بنحو دولار واحد للبرميل. لكن حتى مع الانخفاض الكبير في صافي عقود الشراء للمضاربين، لم يتعثر النشاط في أسواق النفط الآجلة، حيث بلغت عقود برنت الآجلة في تموز (يوليو) في المتوسط نحو 748 ألف عقد في اليوم، يعد هذا رقما قياسيا ويمثل نحو ثلاثة أضعاف حجم التداول في عام 2008 عندما بلغت أسعار النفط ذروتها.
لقد حدث هذا الانخفاض في أسعار العقود الآجلة في وقت تشهد فيه أسواق الحوض الأطلسي فائضا كبيرا في النفط الخام الخفيف ــ الحلو، الذي عمل أيضا على خفض أسعار النفط في الأسواق الفورية. على ما يبدو أن اتجاهات الأسواق الفورية والعقود الآجلة، يعزز بعضها بعضا.
وفرة النفط الخام غير المباع في حوض الأطلسي، ومعظمه من نيجيريا على ما يبدو، يقود مؤشر أسعار الخام الخفيف ــ الحلو إلى الأسفل، في الوقت الذي يكون فيه عادة هذا المؤشر في صعود، مدعوما بذروة الطلب على النفط في فصل الصيف. بعد ما فقدت نيجيريا نحو مليون برميل في اليوم من صادراتها النفطية إلى الولايات المتحدة على خلفية طفرة الصخر الزيتي في أمريكا الشمالية، تخسر نيجيريا الآن نتيجة عودة بعض الإنتاج الليبي إلى الأسواق، الذي أدى إلى إزاحة مبيعاتها من أوروبا. إن الفائض في النفط الخام ــ الحلو أدى إلى اتساع حالة "الكونتانجو" Contango لخام برنت، أي أن أسعار العقود المستقبلية "الآجلة" أعلى من الأسعار الفورية. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يجد مزيد من النفط الخام طريقه إلى الأسواق من العراق وليبيا في تحد لأعمال العنف المستعرة في البلدين، ما قد يحد أكثر من المخاوف من جانب العرض.
بالطبع، الترابط القوي بين أسعار العقود الآجلة للنفط الخام ونشاط المضاربة في أسواق النفط ليس بالضرورة دليلا قاطعا على العلاقة السببية لحركة الأسعار، عليه يبقى السؤال مفتوحا: إلى أي مدى يقود المضاربون أو مديرو المال حركة الأسعار؟ مع ذلك، فإن حقيقة أن انخفاض الأسعار حدث في وقت فيه التوترات الجيوسياسية تستعر في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تؤكد مدى ضعف الأسواق الفورية.
حتى الآن، لم يكن هناك أي تأثير سلبي في الإمدادات من الصراعات السياسية، لكن على المدى الطويل يمكن أن تتأثر الإمدادات بصورة كبيرة إذا لم تتراجع حدة التوترات، على ما يبدو أن حالة "الكونتانجو" لأسعار العقود الآجلة تعكس هذا الاعتقاد إلى حد ما.
على الرغم من أنه لا أحد يقرع الآن ناقوس الخطر بشأن تداعي تأثير المضاربة في أسعار النفط، إلا أن الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة لا تزال تتابع هذه القضية. حيث من المتوقع أن تقوم هيئة تداول السلع الآجلة CFTC "وهي هيئة حكومية تأسست خلال عام 1974 لتنظيم أسواق السلع الآجلة والخيارات في الولايات المتحدة مثل بورصة شيكاغو التجارية"، بإطلاق قواعد جديدة تتضمن وضع حدود لمراكز التداول Position Limit للحد من تأثير المضاربين. من المتوقع أن تصدر هذه القواعد في الربع الرابع من هذا العام أو أوائل العام المقبل.
تعمل هيئة تداول السلع الآجلة على تحديد حدود جديدة لمراكز التداول، بعد أن انتهت لتوها من فترة التعليقات على المسودة الأخيرة المقترحة. تجدر الإشارة هنا إلى أن المحكمة الفيدرالية رفضت مقترحات الهيئة الأولية، بعد أن قامت بعض المجموعات المالية بالطعن فيها. يحذر بعض النقاد في صناعة الطاقة والتجارة، الهيئة، من مغبة تقليص التحوطات المشروعة، ويأملون أن تنفذ التغييرات بصورة تدريجية حتى لا يتعطل التداول أو تنخفض السيولة، مع ضرورة إلغاء بعض القيود المقترحة بصورة كاملة.
على الرغم من أن قواعد الهيئة الجديدة بخصوص القيود على مراكز التداول سوف تُقر عاجلا أو آجلا، إلا أنه ليس من الواضح مدى صرامة هذه القواعد. في عام 2011، كان من المفترض أن تقوم الهيئة بنشر تقرير يوضح تأثير المضاربات في أسعار السلع، لكنها لم تنته منه ولم تعممه أبدا على أعضاء الهيئة.