بلجيكا تعثر على وسطها الناعم في صناعة السينما

بلجيكا تعثر على وسطها الناعم في صناعة السينما
بلجيكا تعثر على وسطها الناعم في صناعة السينما

"يومان وليلة" فيلم ذكي، وإنساني، وتم إخراجه بحماس وتمثيله بدون أخطاء، لكن أليس هذا الفيلم خفيفاً على الأخوين داردين؟ كنتُ أشاهد هذا الكابوس المتكرر للمخرجين الأخوين البلجيكيين المتقاربين في العمر، وهما يتحولان إلى فيلم كوميدي لتانتان، مثل التوأم Dupont وDupond (مثل ترجمات تومسون وتومسن إلى هيرجيه). هما يعملان وكأنهما من مفتشي المباحث للروح الإنسانية: لطيفان وجذابان ويمكن أن يحل أحدهما محل الآخر تقريباً).
في الفيلم الجديد للأخوين داردين، ساندرا (التي تلعب دورها الممثلة ماريون كوتيار) هي عاملة في بلدة صغيرة، تذهب من بيت لبيت مع زملائها في مصنع الألواح الشمسية، ترجو منهم التنازل عن علاوة من الإدارة وُعدوا بها مقابل قبولهم بأن تفقد ساندرا عملها. هذه قضية فوضوية، وهي تأخذ الحبوب لعلاج القلق، وقد عادت بعد أن قضت فترة في المستشفى لعلاج الاكتئاب، لكن أن تفقد عملها؟ هذا سيدفع بها إلى الانهيار.
لا مجال لهذه التصرفات اليائسة في بلجيكا.
بالتالي يصبح الفيلم حكاية رمزية عادية – حكاية خفيفة مثل حكايات إيسوب بحلوها ومرها – عن قيمة الإنسان الذاتية، وقيمتها، صغيرة كانت أم كبيرة، في أعين الآخرين. ونحن نشاهدها حين يرفض زملاؤها الذين تطرق أبوابهم، وعلى وجوههم مشهد الجشع البين، مهما بلغ من تظاهرهم بالتواضع (يقول لها أحدهم: "نحن بحاجة إلى هذا المال من أجل بناء الحديقة الخلفية")، وعليه فهم ينقسمون إلى قسمين، الأول يقول مستحيل أن أتخلى عن المبلغ، والثاني يقول سأساعدك يا عزيزتي.
السباق ضد الزمن، الذي نجد تلميحاً له في العنوان – مجرد يومين في نهاية الأسبوع لتجعل أصدقاءها يقفون إلى جانبها في تمرد في قاعة المصنع، يضفي عنصر التشويق. لكنه أيضاً يضفي ارتياباً بأن هذا العرض الجديد من أقوياء الأمس في مجال الواقعية الاجتماعية في السينما الأوروبية (روزيتا، الطفل)، هو حكاية خرافية مع لفتة غريبة من الانغماس في الزمن ونهاية سعيدة يحس بها المشاهد أنها آتية في النهاية.
"يومان وليلة" هو دائماً أفضلا قليلاً من ذلك. (النهاية تشتمل على مفاجأة إضافية ذكية)، لكن الأخوين داردين علَّمانا أن نتوقع شيئاً أفضل من مجرد "أفضل قليلاً من ذلك..".
إذا كان بمقدورك الوصول إلى أجزاء من دماغك لا يستطيع بقية البشر حتى أن يحلموا بالوصول إليها، فهل ستذهب لمشاهدة فيلم من إخراج لوك بريسون (مترو الأنفاق، ليون، العنصر الخامس)؟ ربما يكون هذا أحد الأسئلة التي تُطرح – من قبل النقاد على الأقل – في الوقت الذي يذهب فيه فيلم لوسي في الطريق العالية من الأفلام الخيالية؟ تلعب سكارليت جوهانسون دور طالبة مخطوفة إلى تايبي على أيدي عصابة كورية حتى تنقل علبة من CPH4، وهو دواء جديد لتقوية الدماغ. حين ينفجر بداخلها، تتحول إلى امرأة ذات دماغ فائق القوة، فهي تتحكم عن بعد بأجهزة التلفزيون وتتحكم في أجهزة الكمبيوتر في مصارف بأكملها، بل إنها حتى تستطيع أن تتحكم في نمو خلاياها وتغير الشكل على هواها.

#2#

في هذه الأثناء نشاهد المحاضر مورجان فريمان في حكاية مستقلة في البداية – خذ نفساً الآن – وهو يتوسع ويشرح رسوماً بيانية حول مزايا ومساوئ التوسع الدماغي. التطور العقلي بسرعة ضعف سرعة الصوت. وملامح من منازلة ضخمة على طريقة بريسون بين الخير والشر.
إذا كانت جوهانسون الطالبة مغرقة في الخيال إلى درجة تكون عصية على التصديق، فهذا تمرين مفيد للتحديات المقبلة التي تكاد تسبب الفتق في قدرتنا على التصديق. ومنها قدرة البطلة على أن "ترى" كل شيء بنظارات قادرة على اختراق كل شيء على غرار CSI، من الأدمغة العاملة إلى الأشجار التي تستنزف شبكات فضائية بأكملها وهي تتحرك وتدور.
الفيلم عبارة عن حركة سريعة مع سمات أفلام التشويق، وأفكار حول مسائل ميتافيزيقية. في هذا الفيلم "كله ماشي"، وإن لم يكن دائماً في اتجاهات معقولة. أحببت الاقتباس العابر، في ملاحظات الترويج للفيلم، من عالم أعصاب معروف، استشاره بريسون أثناء إعداد السيناريو: "كان علي أن أحِد من إبداعه بإدخال جزء يسير من الحقائق".
فيليب جرونينج، المخرج الألماني، جعل فيلم الدير الرائع "نحو الصمت العظيم" يدور كله حول الأرواح التي تعترك مع الحياة والأبدية. هذان هما النوعان التوأم، وإن كان ذلك على نحو مختلف، في فيلم جرونينج الجديد "زوجة ضابط الشرطة".
الحياة؟ بالتأكيد، في الحكاية القبيحة الحية التي تعتصر القلب، والتي تتحدث عن شرطي (ديفيد زيمرشيد) الذي يروّع بالتسلسل زوجته (ألكساندرا فايندر) من أن طفلتهما الصغيرة (أدى دورها الطفلان بيا وتشيارا كليمان على التبادل) تنظر إلى ما يجري دون أن تفهم شيئاً مما يدور.
الأبدية؟ هذا أيضاً موجود للأسف. مدة الفيلم 175 دقيقة، والتي تمددت بفعل عناوين البداية والنهاية للفصول (هناك ما لا يقل عن 118 عنواناً). في افتتاح الفيلم في مهرجان البندقية في السنة الماضية أدت هذه الإطالة إلى تأوهات من الجمهور، وضحكات مكتومة، وأخيراً الخروج من الصالة قبل نهاية الفيلم. تخيل أنك تشاهد فيلماً تقرأ فيه "بداية الفصل الأول"، ثم "نهاية الفصل الأول"، وفي كل مرة يذوب المشهد ببطء في مشهد آخر، وكل ذلك يتكرر 59 مرة.
كنا نرجو أن نسخة فيلم جرونينج المعدة للعرض على الجمهور (بعد اختتام المهرجان) ستتخلص من هذا التكرار الممل. لكنها لم تفعل. لا يزال الفيلم يغرز سيفاً في حلقه، مرة بعد أخرى، وفي الوقت نفسه يرجو أن يلقي خطابات مسهبة حول العنف الأسري. فيما بين عناوين الفصول، وعلى نحو يثير المتفرج، هناك إخراج جيد. الشخصيات البالغة تكافح وتعاني في مضائق الوحشة والتعاسة، وطفل كاد أن يغرق، وأحياناً يكون ذلك له تأثير صاعق، في حالات العنف المجنونة.
أفلام الكوارث في هوليوود مكرسة للفكرة القائلة إن العالم سينتهي بانفجار وبكاء هادئ. أفلام أولى تهدر بالطبيعة والعوامل الجوية، ثم أفلام ثانية تعتمد على الأولى تغرق في الحوار والدراما الإنسانية، وأحياناً تُعطى مظهر الشجاعة الخادعة، حين تجد فيها مجموعة ممثلين من كبار النجوم. وحيث إن الممثلين في فيلم "في قلب العاصفة" غير معروفين، فإن اللعبة متوترة منذ المشهد الأول – أو أنها ذات طابع أحادي إلى درجة أنها تشبه مباراة البرازيل وألمانيا، وهي تعرض على شاشة ضخمة. من حيث التمثيل والشخصيات، أُعطي الفيلم 1 من 10، ومن حيث المؤثرات الخاصة، أعطيه 7 من 10.
الأعاصير الدوارة تتقارب في الوقت الذي تتجمع فيه الشخصيات استعداداً للمعمعة. المحترفون المختصون بمطاردة العواصف موجودون في سيارة مصفحة. ومجانين يوتيور على دراجات. ابنه ومعه ابناه يأخذون معهم مشروعهم لتصوير لقطة زمنية بكاميرا الفيديو، إلى جانب الاحتكاكات العائلية، إلى الساحة الكبيرة. أحياناً تخبئ رأسك بين يديك حتى تتجنب الملل المبتذل لصور الإعصار.
وفي أحيان أخرى تقضم أصابعك بجذل مرتعب حين تشاهد السماء، وهي تتحول إلى العواصف الوحشية. في المطار المحلي الذي تلقى الضربات، تُرفع الطائرات وتتلوى وتتقلب، وكأنها حيتان محمولة جواً. الواقع أنه مشهد رائع.
وفي لحظة رائعة مصيرية يرتفع رجل وسيارة إلى الأعلى إلى المنطقة الزرقاء الصافية فوق قلب العاصفة. ثم تعود الأمور مرة أخرى إلى الحياة والموت والجلبة بين النص الفني والرؤيا التي تتجاوز البشر الفانين.
"مدينة الخطيئة – الجزء الثاني: امرأة تستحق أن يُقتَل لأجلها". أسلوب الفيلم حارق، وأحياناً تشعر بالحكة في يدك بحثاً عن عود كبريت. هذا الجزء الثاني من فيلم الكرتون الذي يصور حياة مستقبلية مختلة وظيفياً، من روبرت رودريجر والفنان الكوميدي فرانك ميلر، هو مجموعة أرواح من الصور والمؤثرات التي هي خالية من المحتوى إلى حد كبير. إذا قاومنا الإحساس القوي بإشعال حريق، فما ذلك إلا لأن الفيلم يؤدي على طريقته الخاصة مشهداً وراء مشهد مما يشبه أوبر جوترداميرونج، بالنهاية العنيفة لنظام معين. هناك مجموعة لا بأس بها من الأبطال، يعرضهم المخرج بسخاء جدير بأن يثير شهقتنا.
أنت ترى ميكي أورورك، وبروس ويليس، وجسيكا ألبا، وجوزيف جوردون ليفيت، وجوش برولين – ثم بعد ذلك تراهم وهم إما هوجموا أو ضربوا أو أُحرقوا أو عُذِّبوا. إنها رحلة ليل طويلة نحو النهار: أحياناً تكون مذهلة حين تنظر إليها في الظلام الدامس، ثم تتبخر مع الفجر وباب الخروج.
فيلم ستيورات ميردوك "كان الله في عون الفتاة"، الذي تدور أحداثه في جلاسجو، يحصل على "أ" من أجل الجهد وعلى "ح" من أجل الحلاوة. حين نعتبره فيلماً استعراضياً أسكتلندياً فإن هذا ينقذه، على بعد حرف واحد، من صفة "مسطول"، وهي صفة تنبض على نحو خطِر وراء حكاية فتاة كانت مصابة بمرض فقدان الشهية (إميلي براوننج)، ومهووس لطيف مع مواصفات (أولي ألكساندر) الذي يحاول أن يشكل فرقة غنائية لموسيقى البوب. يندفع الناس إلى الأغنية على جانب الأنهار، وفي الحانات، وفي غرف النوم في الفنادق. الفيلم يشبه النزوة، وإلى حد ما يرطب الأذنين، لكنه في الغالب يشتمل على نغمات جميلة تصلح للدندنة ودائماً طيب القلب.

مدينة الخطيئة – الجزء الثاني: امرأة تستحق أن يُقتَل لأجلها – روبرت رودريجز وفرانك ميلر
- كان الله في عون الفتاة – ستيورات ميردوك
- يومان وليلة
جان بيير ولوك داردين
لوسي – لوك بريسون
زوجة ضابط الشرطة – فيليب جرونينج
في قلب العاصفة – ستيفن كويل

الأكثر قراءة