رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الثقوب التي بلعت أموالنا وخططنا وجهودنا

هناك مشكلة في المسألة التنموية كتلك الثقوب السوداء في الكون السحيق؛ عندما يصر المخططون أو المسؤولون على أن يخترعوا ويبتكروا شيئا جديدا، ثم لا ينجحون. بينما أمامهم تجارب ناجحة جدا في أمم أخرى ما عليهم سوى تطبيقها. وهنا تكون البراعة، بحسن التطبيق والتنفيذ، بمعنى أنهم ليسوا بحاجة إلى اكتشاف وابتكار نظم جديد من رؤوسهم، وتتركز عبقرياتهم في الذكاء والإبداع بالتطبيق المحلي. من أكبر الأخطاء في التنمية الاستراتيجية، وفي أي شيء يخص الأداء الأفضل، أن يصر على إعادة اختراع العجلة، وإعادة اكتشاف النار.. تم ذلك، ومنذ قرون عميقة في ضمير التاريخ، فنقول البراعة في كيف ندير العجلة، وكيف نسخر النار؟
الأخطاء التي حصلت وما زالت تحصل، هي ثقوب سوداء تبتلع كل الجهود، وكل الأموال، وقبلها كل الخطط.
لم يحتج الفراعنة إلى اكتشاف نظريات الحركة النيوتنية ليسيروا الماء في قنوات بانحدارات مقاسة رياضيا لتسقي النبات في الصحراء بعيدا عن النيل، فقد كانت حضارة الفراعنة نيلية وصحراوية معا، ولما درس بعض علماء المصريات الكتف الصحراوي كما أسموه من الحضارة الفرعونية، خصوصا الأسر المتأخرة، وجدوا أنهم ألجموا تيارات الخماسين الصحراوية بالنبات الغابي الشوكي وكانت عمليات السقيا بنظام تقطير متقن يدل على عقل هندسي مائي متطور ومهيب. أخذ الفرنسيون التجربة من زمان وجربوها في مستعمراتهم ذات الطابع الصحراوي في شمال إفريقيا وفي القرن الإفريقي.
في باريس أفضل قنوات تصريف صحي في العالم، بل هي عالم تحتي واسع تحت كل العاصمة وكان حجمه وبراعة هندسته إلهاما متواصلا لكثير من الكلاسيكيات الروائية الفرنسية والأفلام. استوحى المهندسون الفرنسيون الفكرة من محاولات صغيرة ناجحة أثرية بالهندسة الرومانية يعتقد أنهم طوروها بمعالجة ذكية بيئية، لولا أن "الفاندال" وهم برابرة الشمال خربوا كل مظاهر التقنية الهندسية الرومانية التحتية- كان الجرمان برابرة بدائيين حقيقيين يسمونهم "الفاندال"، يسحقون كل مظهر حضاري بغزواتهم فجاءت اللفظة الأجنبية "فاندلزم" أي التخريب- وهاجموا الإمبراطورية الرومانية الكبرى، وكانوا من أسباب سقوطها.
وهناك حضارة أعجب وجيد أن نعرفها، فكثير منا ربما لم تمر عليه. تعرفون أنه في الآلاف القليلة قبل الميلاد ازدهرت حضارتان، الأولى في الانفساح المصري وهم الفراعنة، والثانية السهل الكبير بين نهري دجلة والفرات، حيث حضارة ما بين النهرين. وهنا الحكاية، أشرقت حضارة ثالثة عاصرتهما أكبر وأقوى منهما وهي حضارة شعب "الإندوس" المتفوقة في الهندسة المعمارية، وشقت طرقا بين المدن استمرت قوية تسير عليها عربات الثيران الثقيلة مئات السنين.. ولم تخرب! ومنطقة هذه الحضارة التي ازدهرت تقريبا من 2500 إلى 1700 عام قبل الميلاد هي ما نعرفه الآن بالباكستان. ولحدث رهيب لم يفك طلاسمه حتى الآن علماء الأركيولوجيا وأنثروبولوجيا التاريخ اختفت الحضارة.. بم! وانسحقت كاملة. اكتشفت أطلالها في طبقات الأرض وكانت الطرق شبه سليمة رغم الزمن.. ورغم ما حدث.
إنكم الآن تقارنون بين كل هذا والأخطاء الثقوبية السوداء التي نراها في بنيتنا التحتية وهي بسبب الإصرار على إعادة اختراع اكتشاف ما عرفه الإنسان وطبقه بنجاح من آلاف السنين.
اكتشف علماء الظواهر الكونية ثقوبا سوداء تمر قرب مدارنا الأرضي، لا تخافوا، فلا ضرر منها.. فهي أصغر من الذرة.
يعني، نقول لمخططينا لا عيب في نسخ التطبيقات الخارجية الناجحة ثم التطبيق ببراعة وابتكار بما يخص نوعية بيئتنا، ثم لا ضرر من الأخطاء الصغيرة.
فننقل بجدية التطبيقات الناجحة.
والتحدي أن نكون أبرع منهم في التطبيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي