مقاومة الإرهاب بالعقل
قال ربنا جل شأنه في محكم كتابه الكريم، “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً”. صدق الله العظيم. جملة بسيطة مختصرة تملأ الأرض حبًّا وعدلاً. أعاد قراءتها اليوم على مسامعنا، صاحب القلب الكبير والرجل المخلص والسريرة الطيبة، خادم الحرمين الشريفين، أبو متعب -الله يحفظه ويطيل في عمره- على عمل صالح. وكان ذلك في مناسبة اجتماعه مع مجموعة من سفراء الدول الإسلامية والصديقة المعتمدين في المملكة. وهو من النادر أن يتطرق -الله يحفظه- لمثل هذه المواضيع الحساسة، لولا أن الأمر يشكل خطرًا ليس فقط على المنطقة العربية بل العالم بأسره.
لم نكن نتوقع إلى عهد قريب أن تكون أرضنا مسرحًا مفتوحًا لعمليات الإرهاب الممنهج. ولسنا من الذين يؤمنون بظاهرة المؤامرات الدولية، التي يتهمون بها مخابرات بعض الدول ذات المصالح السياسية والاقتصادية في المنطقة. ولكن هذا لا يمنع من أن بعضا منهم يستغلون وجود مثل هذه الحركات المدمرة ويجيرورنها لصالحهم، أما بالرعاية المعنوية والإعلامية، أو حتى بمدها بالأموال والسلاح بطرق غير مباشرة. ولكن الضحية للخراب والدمار والقتل هم أهل الأرض التي تعبث المجموعات الإرهابية فوق ظهرها. ومن المؤسف أن هناك عوامل كثيرة ساعدت على تنمية الأفكار الضالة التي تقود إلى أعمال إرهابية لا أب لها ولا جد. فالفوضى وفقد الأمان من ضمن تلك العوامل. والحكم الظالم والتحيز لطائفة ما على حساب طوائف أخرى يؤدي بدوره إلى النقمة وحب الانتقام. تبدأ الأمور على هيئة مقاومة ثم تتطور إلى عمل إرهابي يفتح المجال لدخول فئات ضالة تستخدم شتى الأساليب لتحقيق مآربها. وقد يتطور الأمر إلى ممارسة التعذيب والقتل العمد والتنكيل حتى بالأبرياء من المواطنين وغير المواطنين.
وهذا ما أثار حفيظة حبيبنا أبي متعب -رعاه الله- فهو يسمع ويشاهد ما تقوم به مجموعات من مختلف الأجناس والألوان والأعمار من أعمال غير إنسانية تطال الكثير من الأبرياء ولا تستثني النساء والأطفال. أي دين وأي مذهب يجيز مثل هذه العدوانية؟ وما هي الأهداف التي يريدون تحقيقها؟ هم أصبحوا مبغضين ومكروهين من فئات المجتمعات المجاورة. فهل بلغ بهم الغباء ليصل بهم طموحهم الخائب أن أحدًا سوف يقبل بهم حكامًا أو قياديين؟ لقد هزلت إن كان هذا هو هدفهم. وبما لأبي متعب من نظرة ثاقبة ورؤية بعيدة، فقد أدرك أن هذا البلاء أو الابتلاء سوف ينتشر خارج هذه المنطقة من العالم. وأن على بقية الدول، خاصة منها التي تملك إمكانات سياسية ومالية ومصالح تجارية أن تهب لمساندة أهل الخير والصلاح الذين يريدون تجنيب هذه الأوطان شر القتل والدمار والتشريد، ونهايته الفوضى وعدم الاستقرار.
ونحن لا نود تسمية الأشياء بأسمائها، فهي معروفة للجميع. ولكننا نذكر كيف بدأت الحركات التضليلية وعمليات التكفير قبل بضعة عقود، نتيجة لتنامي أفكار أقل ما يقال عنها إنها تميل إلى الانحراف العقائدي. ووجدت منْ يغذيها ممن يدعون العلم الشرعي وهم أبعد ما يكونون عن سماحة الدين الإسلامي ومعاملته للآخرين من ذوي العقائد المختلفة. واتخذوا من بعض الأمور الطارئة ذريعة لرفع الدعوة إلى الجهاد. وهو فكر ضيق بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى. وكانت حركاتهم ومناوشاتهم على الأطراف، أو في الأماكن النائية. أما اليوم، فقد احتلوا مدنًا وعاثوا فسادًا وقويت شوكتهم وأصبحوا يحلمون بتكوين دويلات تخضع لمبادئهم المتطرفة وتحت حكم السلاح. فأين هذه الفئات الضالة من قول الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، “وجادلهم بالتي هي أحسن”؟ وهدف خادم الحرمين الشريفين من دعوته إلى المجتمع الدولي، هو التعاون المباشر من أجل حصار المجموعات الإرهابية وتقليص إمدادهم والحد من تحركاتهم وتنقلاتهم. وأنه لا بد من التوعية الشاملة التي تحول دون انتشار التعاطف معهم. ولعل ذلك يتطلب أيضا تحسين أوضاع الشعوب التي تنتشر فيها العصابات الإرهابية وتشجيع إقامة حكومات تهتم بمصالح مجتمعاتها ويكون أساسها العدل والمساواة بين فئات المجتمع الواحد.
وما الذي نتوقعه أو نتمنى استجابته من دول خارج المنطقة؟ أهم موضوع هو الإدراك بأن الإرهاب لا دين له ولا حدود. وأن معالجته لا تتهيأ باستخدام الوسائل التي هم أنفسهم يمارسونها من قتل وظلم واعتداء على الحرمات. فلا بد من وجود تفاعل دولي إيجابي، يكون هدفه المصالح المشتركة. وأن ترك الأمور على ما هي عليه الآن، من المؤكد أن آثارها السلبية سوف تطال القاصي والداني. وما قاله الحكيم أبو متعب في العلن، من دعوة صادقة للتعاون الدولي، يعكس مجهوده الكبير في غير العلن من أجل أن يجنب البشرية ظاهرة التطرف والتكفير الذي لم نكن نود أن يكون باسم ديننا الحنيف المتسامح مع جميع المذاهب والأديان. حمى الله بلادنا وبلاد عامة المسلمين وكل محب للخير والسلام من النزوات الفكرية والعبثية التي هدفها إثارة القلاقل والفتن بين الشعوب وأفراد الشعب الواحد.