الإرهاب خطر يهدد الجميع
ليس هناك خطر يهدد المنطقة أكثر من الإرهاب، وهو خطر ليس بجديد ولكنه يتجدد، فالمنظمات الإرهابية لم تكن يوما بالقوة التي هي عليها اليوم، وقد يكون صحيحا ما يراه البعض من الخبراء الأمنيين والمختصين في المنظمات السرية وأعمال الجريمة المنظمة أن هناك دولا ذات مصلحة من إعطاء دور أكبر للمنظمات الإرهابية، فالدعم المالي ليس هو وحده ما يكشف عن القوة البشرية والمادية التي تحوزها وتستخدمها المنظمات الإرهابية، بل هناك ما هو أخطر وهو الدعم الإعلامي الذي يجد له سندا في قنوات فضائية وترويجا لثقافة العنف في وسائل التواصل الاجتماعي التي يصعب السيطرة عليها، فضلا عن توجيهها نحو خدمة الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن الدور المتصاعد للمنظمات الإرهابية ملاحظ، وإذا كانت هناك دول عظمى حاولت أن تنأى بنفسها عن الدخول في مواجهة مباشرة مع الإرهاب، فإنها اليوم تجد نفسها أخيرا في موقف من يجب عليه أن يتحرك، بل يبادر من خلال وجود مادي على الأرض لوقف تقدم المنظمات الإرهابية التي أصبحت تقضم من أراضي الدول التي تعاني عدم استقرار أمنها الوطني وضعفا شديدا في السيطرة على مجريات الأحداث فيها، والأصعب من كل ذلك أنها دول فشلت في تخطي أزماتها المحلية، ولم تستطع أن تصل إلى معادلة تعيد للدولة سيادتها وتحفظ لها أمنها وتحقق لشعوبها الرضا عن الكيفية التي تدار بها الدولة.
تلك الدول تحولت إلى ساحات وميادين لتوالد المنظمات الإرهابية وتزايد قدرتها البشرية من خلال الاستدعاء للراغبين في المشاركة بما لم يعد خافيا معه على أي متابع للأحداث الجسام من حولنا أننا أمام عدو متربص يجاهر حينا ويلمح حينا آخر، وهو عدو قديم ولكنه يتجدد في ثياب بالية لم تعد تخدع أحدا سوى الجهلاء ممن ارتضوا لأنفسهم محاربة بلاد الحرمين ومهبط الوحي، ولم يعد من الممكن تسويق فكرته المستهلكة ضد الشعب السعودي والأمة الإسلامية والقيادة الحكيمة لهذه البلاد الطاهرة التي يقودها زعيم إسلامي وعربي فذ، شهد بذلك القريب والبعيد، وتيقن ذلك كل من في الداخل والخارج، وكان له دور كبير بعد الله سبحانه وتعالى في لجم الإرهاب ووقف تقدمه الفكري بتبني الحوار الشامل على جميع المستويات حتى تجاوزنا حدود النجاح إلى التفوق بإثبات أن الحوار هو الطريق الوحيد للكشف عن الحقائق.
واليوم تتحرك قوى الشر في الشرق الأوسط بعد أن تهاوت أنظمة ضعيفة لم تكن قادرة على مواجهة الأحداث والمتغيرات بالعدل والإنصاف وخدمة الشعوب، وتغيرت الخريطة كثيرا من حولنا وبقي لدول الخليج العربي وحدتها الاجتماعية وتماسك حكوماتها مع شعوبها ونضج قياداتها التاريخية التي عرفت الحكم ليس من عقود بل من قرون كانت هي السباقة لبناء الدولة الحديثة في جزيرة العرب الواسعة التي يجمع شعوبها الدين والتاريخ واللغة والإرث الحضاري والاجتماعي، وهذه الدول تواجه التحدي الأكبر ربما في تاريخها بعد أن صعدت قوى جديدة متطرفة وهبطت قوى قديمة هشة نعاني اليوم حجم الفراغ الذي تركته خلفها.
نعم هناك أخطار جسام يتصدى لها رجال أقوياء صدقوا ما عاهدوا الله عليه وثبتوا حين فشل غيرهم وحاول الفاشلون أن يحملوا وطننا وأمتنا وقيادتنا المسؤولية عن فشلهم الذريع ولكن باؤوا بالخيبة والخسران وتقدم لهم الناصحون، ولكنهم لم يكونوا على مستوى فهم النصيحة أو الاستفادة من الدرس، نعم في تلك الأقاليم والأراضي الشاسعة خارج حدود وطننا الكبير الذي يشكل عمقا استراتيجيا لدول مجلس التعاون الخليجي يوجد أعداء استطاعوا أن يتكتلوا ويشكلوا ميليشيات إرهابية قاتلة لا تعرف سوى التدمير والإهلاك والإفساد للبلاد والعباد، ولذا أمر خادم الحرمين الشريفين باتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لحماية مكتسبات الوطن وأراضيه.
لقد ترأس خادم الحرمين مجلس الأمن الوطني لدراسة مجريات الأحداث وتداعياتها خاصة في العراق، وحرصا على حماية الأمن الوطني للمملكة مما قد تلجأ إليه المنظمات الإرهابية أو غيرها من أعمال قد تخل بأمن الوطن فقد أمر - حفظه الله - باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية مكتسبات الوطن وأراضيه وأمن واستقرار الشعب السعودي، ذلك أن الأخطار التبعية لما يجري في سورية والعراق عالية وهي أخطار نتائجها كارثية، شهد العالم فظائعها وعاصر أهوالها وخسائرها في الأرواح والممتلكات، وما أدت إليه من تدهور يعتبره القاصي والداني مصدر خطر وشيك، خصوصا أن هناك من المنظرين للإرهاب والمسوقين والمتزعمين له من يحرضون على اقتحام الحدود السياسية بين المملكة والعراق وفتح منافذ لإحداث قلاقل ومشاغبات حدودية كتلك التي قام بها الحوثي، ومن معه ممن تم القضاء على حركتهم ووقفهم عند حدهم.
إن المرحلة خطيرة جدا والمجتمع الدولي وقف موقف المتفرج لما يجري في سورية، ولم يحرك ساكنا وكان للانقسام في المواقف السياسية دوره في استفادة الجماعات الإرهابية من جمود موقف العالم تجاهها وتحركت تلك الجماعات وأعادت تشكيل هياكلها ولن ينتظر الشعب السعودي وقيادته الواعية الاحتمالات، بل سيواجهون الموقف بحسم وشجاعة، وسيتصدون لكل من يتطاول على حدودنا بقطع أيديهم من سواعدها التي ستجد رجالا أشداء على قلب رجل واحد غايتهم حماية الدين والوطن يرخصون أرواحهم في سبيل أشرف غاية وأنبل مقصد.