هؤلاء النرجسيون.. لما يحكمون
قمة النرجسية في وضعها الخام تبدو عند الأطفال. فالطفل الصغير في الأشهر الأولى كائن نرجسي مثالي بامتياز، لا يعي الكبار ولا شأن له بهم، ولا وجود لهم في وعيه، وبالتالي هم لا يشكلون شيئا، إلا فقط أن حاجته تُلبّى.. من أين؟ كيف؟ ليس شغله!
يكبر الطفل ثم يصير وحشاً صغيرا ًيكسر الأشياء ويضرب كل من وما يصادفه، يركل الذين في عمره ويسرق ألعابهم بلا أدنى وازع ضميري أو استشعارِ حقّاني.. طبعا. يرى الأرض تدور حوله ــــ إن وعى أن الأرض تدور.. فهذا أيضا ليس شغله ــــ وهو طماع بلا حد، مطالِب بلا حد، غضوب بلا حد، لا يكفي أن تلبى له الخدمة بل يريدها الآن، الآن أسرع من البرق.. لا تبرير، لا قبول، لا تفهم.. لا صبر.
علماء النفس يقولون لك إن هذا مبررٌ جدا، لأنها الطريقة التي تساعد الطفل على البقاء، هذه النرجسية الشديدة فيه، هذه الأنانية المطلقة. هي ضرورة بقاء مطلوبة في النمو الصحي الطبيعي للأطفال.. ولو كنا نحن ندفع الثمن. أيضا "مو" شغلهم!
الدكتور سيجموند فرويد المتأزم، الذي ضجت الدنيا بنظريته في التحليل النفسي منذ أوائل القرن العشرين، والذي كان يرى الإيحاء والتبرير الجنسي في أي شيء.. حتى في صحن سلطة، شرح الحالة بأنها الرغبة البدائية الأنانية الأولى.. ويعني أن الإنسان كله قائم على الأنانية ولكنها في طيوف من الأناني الطيب جدا، الذي يسعده مثلا أن ينتزع الآخرون حقه من بين يديه، لأن هذا يريحه، فهو نرجسي في ناحيتها الساذجة الطيبة، إلى النرجسي المغرور الذي يريد من الناس أن يخدموه ويدلعوه ويلبوا كل طلباته فقط لأنه.. هو، ولا يقدم شيئا بالمقابل. كنت أود الاستمرار في شروحات "فرويد" المذهلة في مسألة النرجسية الذي هو مهندس مصطلحها استقاءً من قصة في أساطير الإغريق.. لولا أنه يخبط في النهاية كعادته ويرجع الأشياء لمبرِّرِه الأول، الجنس. ما يستحي!
كل هذا ممتاز، وطبيعي، وغرض أساسي لبقاء أعمامنا الأطفال، لكن بعض الناس ينسون أن يكبروا ويبقوا أطفالاً في دواخلهم. يكبرون وفيهم العناد والأنانية المطلقة والاعتقاد بأن الناس واجب عليهم أن يخدموهم حتى لو نكلوا بهم.. كالرضيع يذيق أمه الويل أثناء الرضاعة بالعض، أو شد الشعر، وعندما تصرخ ألما.. يضحك.
لما ترى انتفاخ بعض الناس وتطوّسهم وزهوهم بأنفسهم وتخطلهم في السير ورمقهم الناس بفوقية، وتأففهم وترفعهم والإعجاب بأنفسهم تعرف على طول أن نظرية الطفل النرجسي حية داخلهم، وما الجسدُ الكبير إلا فراغٌ حيوي لذلك الطفل الصغير.
المشكلة إن حكموا.
من سيرة جنكيز خان وهتلر وإيبا إيبان اليهودي وستالين الروسي، وإيفان الرهيب ونابليون أجد دوما التشابه في الصفات النرجسية المطلقة وكأن الناس ليسوا على الأرض إلا من أجلهم كي يلعبوا بهم، يسرقوهم، يعذبوهم، يغتالوهم، يعتدوا عليهم.. وكلما اشتد أذى الآخرين ضحكوا أكثر.. كالطفل الذي يؤذي من حوله. ولكن هناك فارقا مهما هو أن الأطفال نرجسيون ولكن هؤلاء الحكام المخيفون صاروا نرجسيين حتى السادية الشنيعة.
إني أحمد ربي كثيرا أنه ما عندنا أحد منهم.