متى تكون مدرستنا جاذبة؟
ندخل عاما دراسيا جديدا، نأمل أن يكون أفضل مما سبقه من أعوام، وبما يتطلع إليه أولياء الأمور والمجتمع بكامله، لأن نجاح العملية التربوية تنعكس آثاره على الأفراد، والأسر والمجتمع بكامله، والأمل في الأحسن واجب، خاصة مع الدعم اللا محدود للتربية والتعليم العام والعالي، لما وفر له من ميزانيات وبرامج تطوير خاصة في التعليم العام، والذي أعطي من الميزانيات الشيء الكثير، إذ رصد له في مشروع الملك عبد الله في نسخته الأولى تسعة مليارات ريال، والذي يدخل عقده الثاني، أما في النسخة الثانية فرصد له ثمانون مليار ريال، وأقول نسخة أولى ونسخة ثانية متجنبا مرحلة أولى ومرحلة ثانية، لأن النسخة قد تكون مختلفة عن سابقتها فلسفة، وآليات، وإدارة، وإمكانيات، أما المرحلة فتعني الامتداد والبناء على ما سبق، وقد طالبت في مقال سابق بإعلان ما تم تحقيقه في النسخة الأولى على شكل تقرير مفصل، حتى يعرف ماذا يستهدف المشروع في نسخته السابقة.
من أهداف مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم في نسخته الأولى، والذي قرأنا تصريحات مسؤوليه بشأن إنجازاته مع العاملين في الميدان لا يرون أثرا ذا بال على أرض الواقع لهذه الإنجازات، أقول من الأهداف تحسين البيئة التعليمية، وذلك وفق مفهومي جعل البيئة التعليمية أكثر جاذبية واستهواء للطلاب، بدلا من أن ينظر لها الطلاب بالبيئة الطاردة المنفرة، أو بصورة أدق بالسجن الذي يتمنون الخروج منه في أي لحظة. ما من شك في أن بناء مدارس جديدة وربما بتصميم جديد وتوفير إمكانيات حديثة يعتبر خطوة إيجابية، لكن تحويل المدرسة إلى بيئة دافئة حاضنة للنشء لا يتحقق بالبناء الجديد فقط، فالبيئة الدافئة تعني مناخا اجتماعيا ترتسم عليه علامات المحبة والألفة والشعور بالقرب بين جميع منتسبي البيئة التعليمية، ولعل ما عرض على وسائل التواصل الاجتماعي نهاية العام الدراسي الماضي من حرق للكتب وتكسير وتحطيم للإمكانيات المدرسية يشف عن أن المدرسة فشلت فشلا ذريعا في أن تحقق الهدف.
نعلم أن المدرسة في أوطان أخرى تمثل بيئة جاذبة للطلاب، يعشقون الذهاب إليها ويحنون إليها أثناء الإجازة، بل إن الأمر وصل إلى حد أن يكون العقاب الذي ينزل بالفرد لعقابه على سلوك مشين هو حرمانه من الذهاب للمدرسة ليوم أو عدة أيام، وهذا بلا شك ما نحلم به لمدارسنا، بدلا من أن تكون غولا يتمنى الطالب الفكاك منه. ترى متى يمكن أن تكون المدرسة جاذبة لا منفرة؟ في ظني أن شعور الطالب بالقدرة على التعبير عن نفسه داخل المدرسة دون خوف أو تردد من هالة كاذبة يضفيها المدرس أو المدرسة، التعبير عن النفس بكل ما تشعر به من طموحات وآمال ومشاعر خوف أو فرح ودون قمع من معلم أو مدير يشكل خطوة أساسية، ذلك أن هذا المناخ يمهد لاكتشاف الذات بما أودعه الله فيها من استعدادات قد تطمر لفترة طويلة ثم تموت، أو ميول لم يتم الكشف عنها لتذبل وتتبخر مع الوقت.
المرونة في العمل التربوي وبما لا يخل بتحقيق الأهداف يمثل إجراء ضروريا، فالرتابة والروتين في الإجراءات وعدم التجديد في الطرائق والأساليب والروح الجافة في مناخ المدرسة تحدث السأم والملل، الذي بتراكمه يمثل حالة نفسية رافضة كارهة للمدرسة تظهر على شكل غياب متكرر أو سلوك عدائي نحو المدرسة وهيئتها أو المجتمع، وفي أهون الحالات أن يتخرج طالب عادي جدا لم يستثمر المجتمع قدراته بالشكل المناسب الذي يسهم في قوة ومنعة المجتمع. العمل الجماعي سواء على شكل مجموعات كبيرة أو صغيرة، وتغيير أماكن الجلوس، والتكليف بمهمات ترفع الروح المعنوية، وتحويل العملية التربوية من طرح نظري إلى ممارسة وتطبيق كفيل بتحقيق جزء مما نتطلع إليه.