قصص في المراجعة: لا تعبث مع المراجع الداخلي ولا تتكبر عليه
المراجعون -مع تنوع تخصصاتهم- يتعرضون للكثير من المواقف والمحن التي تصقل تجاربهم وتعزز من خبراتهم، وهناك مواقف غريبة ومواقف تثير الضحك كثيرا، فإذا جمعتك الظروف بمراجع داخلي أو حتى خارجي اطلب منه أن يروي لك قصصا مما مر به من تجارب ومواقف. في هذا المقال والذي يليه بعض من تلك المواقف التي مرت على المراجعين الداخليين، مع بعض التصرف لتتناسب مع روح المقال.
في إحدى المؤسسات الحكومية، يقوم موظف مسؤول عن العهدة بتسلم مستندات صرف أو قبض أو وثائق ذات قيمة، هذه الأوراق تطبع وتعد من قبل وزارة المالية في كثير من الحالات، لأنها هي الجهة المسؤولة عن حصر وإثبات إيرادات الدولة في الحسابات المالية. وعلى الجهات أن تخصص موظفا لعهدة هذه الأوراق وعليه ألا يسلم أي ورقة إلا إذا تسلم ما يفيد تسديد قيمتها في المصرف أو في الصندوق. فهذا الموظف عادة ليس لديه عهد نقدية بل عهد من هذه المستندات فقط. وهو الأمر الذي لا يبدو مقلقا، لكنه كذلك فعلا.
ففي إحدى الحالات، كان على صديقنا المراجع الداخلي أن يقوم بزيارة مفاجئة إلى أحد الفروع في مؤسسته، وفي هذا الفرع موظف لديه عهد من هذا النوع من المستندات. ودائما ما تكون اللحظات الأولى التي يقدم فيها المراجع نفسه للموظفين من اللحظات الأشد قلقا على المراجعين، فلكل موظف ردة فعل غير متوقعة دائما. في هذه الحالة التي نناقشها، تقدم المراجع ومعه خطاب تكليف من مديره المباشر وطالب الموظف بجرد العهدة، نظر إليه الموظف باستعلاء كبير، وقال بثقة عظيمة، "لن أقوم بالجرد، ومن تكون حتى تطلب مني هذا؟ اصعد للمدير واطلب منه ذلك وإذا وافق عد وسوف نرى"، رفض المراجع القيام بذلك، وأنه لا شأن للمدير المباشر بموضوع الجرد وأن الموظف هو المسؤول عن العهدة ويجب أن يبقى الجميع خارج الموضوع حتى يتم فحص العهد والتأكد من سلامتها وسلامة الإجراءات، رفض الموظف بتعنت وبدأ برفع صوته في تحدٍ واضح، ثم الصراخ في وجه المراجع طالبا منه الصعود للمدير أو الخروج من المكتب فورا.
في علم المراجعة من الأفضل دائما أن يكون هناك أكثر من مراجع واحد عند زيارة الجهات للقيام بأعمال المراجعة خاصة الجرد. فالجرد يجب أن يكون مفاجئا تماما، ولا معنى لأن يذهب المراجع للمدير أولا لأخذ الموافقة منه ثم العودة للقيام بالجرد، لهذا كان يجب على صديقنا المراجع أن يصطحب معه مراجعا آخر من أجل مثل هذه الحالات الغريبة، ذلك أن مثل هذا الموقف قد يحصل، فالمدير أو أي شخص آخر قد يخبر الموظف فيخرج الموظف من مكتبه أو يغلقه بينما المراجع يظل وحيدا يبحث عن الموافقة المزعومة فيتأخر الجرد حتى تتوافر فرصة للتلاعب ويفقد الجرد المفاجئ معناه الفعلي.
مع تشدد ذلك الموظف وعدم موافقته على بدء الجرد إلا بموافقة المدير المباشر له، اضطر المراجع الداخلي للذهاب للمدير وطلب الموافقة على الجرد، لكن المدير تصرف بغرابة أيضا، ولكن المراجع الداخلي الذي بدأ صبره ينفد هدد بتصعيد الموضوع فوافق المدير على مضض، ثم عاد المراجع غاضبا إلى موظف العهد وطلب منه البدء في جرد العهدة. بدأ الجرد بحصر المستندات التي تم تسلمها من وزارة المالية، ثم متابعة أعمال السداد وحصر ما تم صرفه من تلك الأوراق، ثم فحص المتبقي ومطابقة السجلات، هنا ظهر عجز تمثل في حزمة واحدة كاملة من هذه المستندات بقيمة مالية كبيرة. بحث الموظف المسؤول عن تلك الحزمة في كل مكان، ولم يجد شيئا، وساعده زملاؤه في العمل ما عدا المراجع الذي ظل ينظر إليهم جميعا، وهم يبحثون في الأدراج وبين السجلات وفي كل مكان بلا جدوى، ثم نظروا إليه لعله يقول شيئا يهدئ من روع ذلك الموظف، فقال المراجع بكل ثقة، اكتب محضرا وسدد العجز فورا، لنغلق العهدة ثم يتم تحويلك للتحقيق. وجاء دور المراجع ليتشدد الآن ويضع قدما على أخرى.
طلب المراجع وبتعنت أن يتم تسديد العجز فورا لينهي أوراقه ويغلق العهدة التي على الموظف، وهنا قام الموظفون بجمع المبلغ وسداد العجز تعاونا منهم مع زميلهم المغلوب على أمره. وهنا جاءت اللحظة الحاسمة عندما تم وضع كامل المبلغ أمام المراجع حتى يقوم بالإجراءات المناسبة في مثل هذه الحالات، وهي تتضمن إيداع المبلغ فورا في المصرف لحساب إيرادات الدولة، ثم كتابة المحضر بإثبات العجز وسداده وتحويل الموظف إلى التحقيق، وهنا نظر المراجع الخبير وقال للموظف، "تذكر مرة أخرى ألا تعبث مع مراجع داخلي ولا تتكبر عليه ولا تصرخ في وجهه إذا جاءك ليؤدي عمله". ثم طلب منه بكل هدوء أن يفتح أدراج المكتب التي يضع المستندات فيها عادة، وطلب منه إخراج الدرج تماما من مكانه ووضعه على الأرض، ثم طلب منه أن يبحث داخل المكتب تحت الدرج تماما وهنا خرجت الحزمة الضائعة من الأوراق وكأن المراجع هو الذي وضعها هناك. نظر الجميع للمراجع وكأنه ساحر وهو يقول لهم، لو كنت أرغب في الضرر، ولو كنت جئت فقط لمجرد اكتشاف الأخطاء والتبليغ عنها، ولو كنت أود أن ألعب دورا غير دوري المهني لفزت بك ضحية، لكني علمت من خلال تحليل السجلات أنك لم تقم بالتلاعب في العهدة، وأن الأوراق ضائعة في مكان ما، ومن خبرتي فإنها عادة ما تكون في هذا المكان. لكنك تصرفت معي من البداية كما لو كنت عدوا ولست زميلا في العمل، فلما أعيتكم الحيلة، وتورطتم في القضية، أحببت أن أثبت لكم أننا كمراجعين لسنا سوى زملاء لكم في العمل لحمايتكم قبل اكتشاف أخطائكم والتقرير عنها، فلا تتكبر على مراجع داخلي قد تحتاج إلى خبراته في اكتشاف المشكلة وحلها.