داعش والغرب و«ذبح» الصحافي الأمريكي
شاغل الدنيا هو اليوم داعش. وماذا سأزيد أو أنقص من الكم الهائل من الخطاب الذي يخص التنظيم هذا. داعش يرافقك أينما كنت. داعش اليوم يتربع على عرش الإعلام والكل تقريبا يزيد في ذمه وقرعه وأكاد أجزم أنه لم تبق هناك مفردة سلبية وسيئة في معجم أي لغة في العالم إلا وألصقت به.
وماذا سأزيد لو اقتبست ما قيل ويقال في حقه من كونه تنظيما (إرهابيا ودمويا وشريرا) إلى غيره من الصفات. وهل داعش يخفي أعماله؟ هذا تنظيم يبدو أنه لا يخشى شيئا، ومخطئ من يتصور أن أعضاءه ومناصريه مجموعة من الغشماء وناقصي العقل جرى خداعهم أو غسل أدمغتهم.
في داعش أدمغة وعلماء ومفكرون واستراتيجيون. بيد أن كونه تنظيما يستند إلى السلفية - السلفية ليست من حيث الاقتداء بالرسول والصالحين من المسلمين الأوائل، بل السلفية من حيث النظرة المتخلفة وغير العقلانية إلى مكانة النصوص التي يراها المسلمون مقدسة في الحياة العصرية ونحن نعيش العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وأتى (ذبح) الصحافي الأمريكي جيمس فولي من قبل داعش مؤشرا آخر للجانب الظلامي للتنظيم ودمويته، وكذلك بعده عن الإسلام وفكره المتسامح رغم ادعائه أنه ينطلق من تفسيره الخاص له.
وكنت قد قرأت لفولي مقالات عديدة، والحقيقة أقول إنه كان من أكثر الإعلاميين الغربيين إنصافا، حيث إنه وخلافا للكثيرين في العالمين العربي والإسلامي لم يربط أعمال وممارسات داعش وأمثالها بالإسلام ونصوصه وفكره وقرآنه. من المؤسف أن تقرأ في الصحافة العربية مقالات غايتها الانتقاص من الإسلام وذلك من خلال ربط ظاهرة داعش ودمويتها بالإسلام كفكر ونص.
فولي كان يحاول كشف الجزء المخفي من المأساة البشرية في الشرق الأوسط، الجزء الذي يحاول الآخرون إخفاءه أو طمسه. فولي أدرك أن العنف في الشرق الأوسط فاق كل التصور وصار من الشدة حيث لا تطيقه شعوبه ولكنه كان قد صمم على معرفة حقيقة هؤلاء الناس الذين يأتي هذا العنف الدموي منهم - كان يبحث عن السب والمسبب أي لماذا وكيف، وهي من الأسس التي نبني عليها تحليلنا النقدي للخطاب.
ستكون هناك تبعات هائلة لذبح فولي من قبل داعش لأن كل المؤشرات تدل على أن الغرب وماكينته العسكرية الهائلة سيهبطون مرة أخرى على المنطقة -وهم لم يغادروها أساسا- وهذه المرة قد تكون بشكل أكثر همجية ووحشية -ولكن علينا ألا ننسى أن العنف يولد العنف والبطش يولد بطشا مضادا. وقد قرأت للتو عدة مقالات في الصحافة الغربية لكتاب ومحللين كبار من أمثال باتريك كوكبرن وأون جونز وروبرت فيسك وريجرد بارت فيها الكثير من العقلانية والمنطق وتبعد الإسلام كفكر ودين عن داعش وتنتقد أصحاب الشأن في الغرب، لأنهم يقعون في المصيدة التي تضعها لهم داعش.
داعش، حسب تحليلاتهم، يتوسل لأمريكا والغرب لتدخل وسيقوم بأي فعل يجلب ردة فعل غربية لأن هذا من مصلحته. مضى أكثر من 13 عاما على حرب الغرب ضد (الإرهاب) ولكن زاد (الإرهاب) واستقوت تنظيماته وظهر أخيرا داعش الذي يبز القاعدة في نهجه التكفيري وممارساته وعنفه وهو يمتد يمينا وشمالا، شرقا وغربا.
إن أرادت أمريكا أن تنصف فولي عليها فهم كتاباته ومواقفه والبحث عن حقيقة هؤلاء والأسباب التي تدعوهم أن ينجرّوا إلى العنف بهذا الشكل. الذين يدعون إلى الثأر من خلال الماكينة العسكرية الغربية عليهم إجابة أسئلة محددة كان فولي يثيرها في كتاباته وأقواله وكررها جونز في مقاله الأخير في جريدة الـ (جارديان).
فولي كان يبحث عن الحقيقة. فولي كان يريد أن يفهم داعش وهو يعايشه ولكنه غدر به وذبحه. ولو تسنى لفولي النهوض لا أشك لحظة أنه سيحاول من جديد فهم حقيقة لماذا تم ذبحه.