رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الشيخ «برهان» ورفاقه

قد نتصور أن شروط برامج التمويل الصعبة وبيروقراطية الجهات الحكومية من أكبر المعضلات التي تواجه ريادي الأعمال. نعم هي قضايا مهمة وحلها من متطلبات تحسين بيئة الأعمال، ولكن ما يفعله الشيخ برهان ورفاقه بالتوافق مع بعض الأمور الجانبية الأخرى يصنع تأثيرا مميتا في فرص ريادي الأعمال في المملكة.
(برهان) هو اسم افتراضي لشخصية حقيقية من جنسية آسيوية. يرتدي هذا الرجل ثوبا سعوديا إضافة إلى قميص وطاقية من تراث بلاده، وبنظارته السميكة يقوم بجولاته التفتيشية كل يوم على المحال التي يديرها لمصلحة ملاكها المواطنين ـــــ أو ربما يملكها هو بنفسه! تنتشر محاله في مجمعين تجاريين من المستوى المتوسط وشارع شعبي بمعدل ثلاثة محال في كل موقع.
بعد الضغوط الأخيرة من الجهات التنظيمية أصبح برهان أكثر حرصا على تنظيم أعماله وعلاقاته. يعمل مع برهان مجموعة دائمة من العمال النظاميين المكفولين من سعوديين يملكون المحال نفسها التي يعمل فيها العمال. وتتعاون معه مجموعة أخرى تعمل في الخفاء تقوم على التجهيز والتصنيع؛ معارض الملبوسات تعتمد على معامل الخياطة، والمطاعم التي يديرها أخوه لها مسالخ ومطابخ تساندها. معظم من يعمل خلف الكواليس من المخالفين يستمر لفترات قصيرة حيث يغير مكان عمله باستمرار ــــ تفاديا لمخاطر الإمساك به وربما بحثا عن فرص أفضل. أعمال الشيخ برهان معتادة على هذا التدوير الإجباري في تشغيل العمالة، وبرامجه مرنة بما يكفي للتدريب السريع والتجديد المستمر.
مشكلتنا مع الشيخ برهان ورفاقه المخالفين ليست فقط في الفوضى والعشوائية التي ترتبط بهم ولا في تدنى الجودة والمشكلات الصحية الخطيرة التي تنتج من أعمالهم، ولكنهم يساهمون مع ظواهر اقتصادية أخرى في تدهور فرص الكسب الممكنة. وجودهم بهذه النماذج يسمح بتدني هامش الربح المحتمل في كل قطاع يسيطرون عليه، حتى تصعب المنافسة وتتضاءل فرص الحصول على حصص معقولة من هذه الأسواق. وهذا يشكل تحديات تجارية مباشرة في وجه كل الرياديين، تحديات أكبر من صعوبة الحصول على تمويل أو تعقيد الإجراءات في جهة ما.
يهتم الريادي بالتأثير الإيجابي في سلوك المستهلك وتحسين قيمة ما يقدم له، فهو يحفز المستهلك على تطوير سلوكياته الاستهلاكية باستخدام نماذج مبتكرة للأعمال، سواء بالابتكار في خصائص المنتج أو حتى بالإبداع اللوجستي وأساليب العرض والوصول للمستهلك. ولكن لنتخيل ماذا يصنع برهان ورفاقه في توقعات وسلوكيات هذا المستهلك خصوصا بعد التعامل معه لسنوات طويلة، وكيف تصبح فرصة الريادي السعودي في دخول السوق مع وجود هؤلاء!
لننظر إلى التفاوت الكبير في القوة الاستهلاكية مع ارتفاع أسعار المساحات التجارية ــــ المرتبط بعدة عوامل منها ارتفاع أسعار الأراضي ــــ إضافة إلى تحديات ثقافة العمل الحر والصعوبات التقليدية المحلية التي تواجه ريادي الأعمال، ولنجمع كل ذلك مع اقتصاد الشيخ برهان ورفاقه، سنصل بكل بساطة إلى فرص تجارية مستحيلة في قائمة طويلة من المجالات.
النماذج التي يعمل بها اقتصاد الظل في المملكة لا تزال تشكل أكبر تحديات ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة وتلك التي لا تزال تحت التأسيس. التحدي الأول في عالم الأعمال هو تحد تجاري بحت قبل أن يكون ثقافيا أو إجرائيا، ووجود هذه الأنشطة مع رسوخ الثقافات الاستهلاكية المتوائمة معها يعني تدهور معظم فرص التطوير والتحسين.
في غياب الآليات المخصصة لتفكيك اقتصاد الظل في كل قطاع ومجال على حده، لن تؤدي البرامج الداعمة للمشاريع إلا لمزيد من الهدر والخسائر والفشل. يبدأ الحل من وجود أفكار ريادية تجدد الفرص في كل قطاع مهترئ، ولكن هذا لا يحصل إلا بصنع مداخل آمنة وقوية يستخدمها الشباب للعبور إلى دهاليز هذه القطاعات، تلك التي يقف على جوانبها العديد من أمثال الشيخ برهان ورفاقه.
ضبط العمالة المخالفة مجرد خطوة مهمة ولكنها لا تكفي، لابد مثلا من أن تواكب الحملات الأمنية أخرى معرفية بالإفصاح الدوري عن الحركة التجارية لكل قطاع، تحديدا للأعمال النظامية وتقديرا لغير النظامية. من الضرورة وجود استراتيجية واضحة يتبعها تنسيق وترتيب بين مختلف الجهات بهدف تمكين الشباب في كل قطاع على حدة؛ يقوم عادة بمثل هذه الأدوار الهيئات المركزية للمنشآت الصغيرة والسياسيات الموحدة - والمفعلة ــ لدعم ريادة الأعمال، وهذا مما يغيب عنا حتى اليوم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي