رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«إيبولا» .. هذا الغازي الذي لم يُهزَم

.. لم تعد غاباتُ إفريقيا الوسطى بالذات بمشاهدها التصورية الحالمة في عهد طرزان والمكتشفين الأوائل، أو في أفلام هوليوود بالصور المتحركة مثل فِيلمَي"الأسد الملك" أو "مدغشقر".
بتلك الأدغال هولٌ عظيم، يبدأ من اغتيال الحياة الفطرية تلبيةً لرغباتٍ إنسانيةٍ خرافية وتوهمية، واصطياد النوادر من الطيور والحيوان لبيعها على مأفونين يشترون الحيوانات النادرة المهددة بالانقراض بأثمان تجعل صيّادي الغابات يجرون بتوحش يضطرم للاصطياد المحرم؛ وفي تجارة البشر الذين يهربون صغارا التفافا على الحدود والمراقبة، فكل شهر يختفي أكثر من ألفي طفل وطفلة، ويباعون على أيادي الأباليس التي تتاجر بالجسد الإنساني في أسواق المهانة والاضطراب العقلي والشهواني. وفي الجنود المرتزقة والنظاميين وشبه النظاميين الذين يسيرون على القبائل بمناجلهم وبنادقهم شر مستطير فيقتلون ويغتصبون ويسرقون، ويمثلون بالأجساد.. ولا تنتهي عند انتشار مرض "إيبولا"، هذا الذي يدور يحمل معه الموت الزؤام أينما حل، وبلا قدرة حتى الآن علميا وطبيا على استئصاله!
وموضوعنا هو الإيبولا والغابات التي صارت موحشة للحيوان بسبب الإنسان، ظهر هذا المرض وانتشر انتشاره الكبيرة.. السببُ ما زال غامضا جدا، فمرة ينسبونه لجنس من القرود، ومرة ينسبونه لتخلّقٍ فيروسي معقد، وهناك من يظن أنه صنعة معملية بمختبرات الحروب.. لا ندري. الذي ندري عنه أنه فلت من عقاله، وخرج من قمقمه يتصيد ضحاياه بالعالم المفتوح. بتلك الغابات تعيش بقبائل بقُرىً من الكوخ، ومغرمون بأكل الخفافيش والحيوانات باختلافها، وفيروس "إيبولا" يعشق البروتين. بعض هذه الخفافيش والحيوانات الرئيسة تحمل فيروس الإيبولا، وعندما يأتي الذين يذبحون ويسلخون يتلوثون بشكل مباشر بدماء تلك الحيوانات فينتقل لهم المرض، ثم يصيرون فوق مرضهم وسائلَ نقلٍ متحركةٍ وشديدة العدوى. وبالترحّل من الغابات للمدن بغينيا وأوغندا انفجرت قنبلة المرض بأعلى صوت مدوٍّ جعل العالم يستمع مرتجفا من هذا المرض الجديد الذي كاد أن يطوي ذكرى مرض الإيدز.. ويفتك بدول إفريقيا الوسطى بمعدلات عالية!
مرض الإيبولا من فضل الله صعب أن ينتقل من شخص لآخر، وهو أصعب من انتقال مرض الإيدز. فهو ينتقل مثل الإيدز عبر الاتصال المباشر بسوائل جسم المريض، ولم يثبت انتقاله عن طريق التواصل الجسدي الحميم كما في الإيدز، وأعتقد أن هذا لا يعني انعدام العدوى بهذه الحالة، ولكن أبطأ. والإيبولا فاتك بقوةٍ أكبر من الإيدز، لا يسلم مرضاه من موت مؤلم وسريع. وهناك حالات قليلة مسجلة لمن نجوا من الإيبولا، ولكنها كما يسري المثل: شذوذٌ يؤكد القاعدة.
"إيبولا" يحب السفر والتنقل، ويحب أن يوسع دائرة فتكه بضحايا بأي مكان في العالم يصل إليه. لذا يجب على الجهات الصحية بكل بلد أن تكون مستنفرة مع هذا العدو الذي لا يعرف معنى للرحمة والتراجع، وأن تفصح السلطات عن حقيقة واقع المرض في بلدانها، فمن حق الناس أن يعلموا، لماذا؟ لأن المرضَ لا علاج له، فهو يسكن أي جسد بمهمة وحيدة هي القتل، لا حل له حتى يومنا هذا إلا بمشيئة الله ثم الوقاية. فمعرفة حقيقة الوضع عن المرض بأي مجتمع تجعل أفرادَه يشعرون واقعاً عن مدى التهديد الذي يحوم في القرب، وتكون خطوات الوقاية وهي سهلة جدا وعامة في النظافة وقلة الاحتكاك إجراءً يلتزم به الأفراد كدرع وحيد وناجع ضد هذا الغازي الذي يأكل الجسدَ حيا.
أدعو الله أن يقينا جميعا هذا المرض، وأن نتحوط بشكل ثابت في محاربته.. بالتوقي من مسبباته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي