الإرادة الطريق للإنتاج المبدع
التأمل في سوقنا المحلي، وأسواقنا العربية، وما فيها من بضائع مختلفة المصادر، ومختلفة في مستوى الجودة يفرض على المرء أن يسأل، ما الذي مكّن هذه الدول من أن تكون رائدة في منتجاتها لتغزو أسواق العالم ببضائعها، ومنتجاتها، وما الذي يتوافر لها حتى تحتل هذه المكانة المتقدمة في الإنتاج والتصنيع؟
من معلوماتنا في مادة الجغرافيا في المرحلة المتوسطة أن من أهم الثروات في اليابان المطاط، ولا أذكر شيئاً غير ذلك، لكن واقع الحال يقول إن اليابان تنتج الكثير من البضائع، كالسيارات، والملابس، والأثاث، وأجهزة التكييف وغيرها، والسؤال، ما الذي مكّن دولة معدومة المصادر من أن تتحوّل إلى بلد متقدم في الصناعة؟!
أعلم أن اليابان تستورد النفط من الدول المنتجة له لكنها لا تستورده لتشغيل مصانعها وآلياتها فحسب، بل إنها استثمرته في إنتاج مواد وسلع أصبحت تصدرها للدول التي تستورد منها النفط، اليابان في أقصى الشرق من العالم وفي منطقة معرضة للزلازل، لكنها خرجت من بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية لتكون من بين الدول الثماني الأقوى اقتصادياً، لو قارنا اليابان في موقعها الجغرافي بالعالم العربي لوجدنا تفوق العالم العربي في موقعه، إذ إنه يطل على بحار عدة ويتحكم في ممرات بحرية لا تتوافر لغيره من الدول، ولو أضفنا لهذه الميزة ثروة النفط والغاز والمعادن الأخرى لوجدنا أن الكفة ترجح لصالح الوطن العربي.
الوطن العربي مع الميزات المتوفرة له بقي منتجاً لهذه الثروات من الأرض لكنه لم ينطلق ليحولها إلى سلع ومنتجات تلبي احتياجاته واحتياجات الآخرين، ولذا ظل مستورداً لاحتياجاته من السلع التي أساس تصنيعها مواد ينتجها ويصدرها لكنه لم يتمكن من توظيفها لصناعة السلع كما فعل الآخرون.
لدى اليابانيين مثل يقول "ما لا تحققه بقدراتك العقلية يمكن أن تحققه بمزيد من الجهد"، ولذا وظف اليابانيون هذا المثل في حياتهم، إذ عرف عنهم العمل الجاد والمضني وبذل الكثير من الجهد، هل يكفي الجهد للارتقاء ببلد إلى مستوى متقدم، من المؤكد لا، فالمعرفة هي الأساس، والمعرفة والعلم تتحققان بفضل النظام التعليمي الجيد في جميع مستوياته ومجالاته سواء العام أو العالي أو الفني والتجاري والإداري.
مما اشتهرت به اليابان في مجال المعرفة ما يعرف بنظرية الإدارة اليابانية، التي تدرّس في الجامعات ومعاهد التعليم العالي، هذه النظرية لم يكتف اليابانيون في تطويرها وتدريسها، بل طبقوها في مواقع العمل والإنتاج مما أسهم في تحقيق الانضباط والدقة وجودة الإنتاج.
عامل أساسي في تفوق اليابان وتطورها وجود إرادة سياسية أوجدت أرضاً خصبة ونفوساً ظمأى للخروج بالبلد من الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية التي حلت به بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الدمار الشامل الذي حل بالبلد.
إن الإصرار والعزيمة اللذين أصبحا خاصية للإنسان الياباني هما ما حوّل اليابان من بلد مدمر إلى بلد متقدم ينافس الآخرين بمنتجاته.
بالموقع الفريد لعالمنا العربي، وثرواته الهائلة، وسكانه المتلهفين لأن يروا أوطانهم في أحسن حال، يفترض أن نحتل الصدارة، ولذا علينا مراجعة منظومتنا الاجتماعية والإدارية والتربوية والسياسية وفحصها بمصداقية وموضوعية تمكننا من معرفة الخلل، أين يكمن؟ ونكون، كما يقول الحسن بن الهيثم، خصوماً موضوعيين لما نقوم بفحصه فلا نتحامل عليه ولا نرى إلا السلبيات وتكون هي محل تركيزنا واهتمامنا، ولا نجامل ونغمض العين عن السلبيات التي توجد في أي منظومة، وإذا ما تحقق هذا سنجد أنفسنا خلال سنوات معدودة قوة يحسب حسابها ليس إقليمياً ولكن على المستوى العالمي.