شبابنا وصناعة الأمل في نفوسهم
صناعة الموت، الإرهاب، العنف، التعصب، التطرف، العنصرية، لجان المناصحة، الفشل، إضافة إلى أخبار القتل، كلمات وعبارات سئمنا سماعها وباتت أحد أسباب الاكتئاب والإحباط والتشاؤم لدى كثير من شبابنا، ومدعاة للهروب من الواقع إلى عوالم ما يُنسي أياً كانت هذه العوالم حتى وإن كانت محرمة كتعاطي المخدرات وشرب الخمور أو مكروهة كالجلوس لساعات طويلة في تدخين الشيشة في المقاهي أو مباحة في أحسن الأحوال كالجلوس على الأرصفة لساعات طوال اضاعة للوقت وهروبا من الواقع بدعوى الترفيه.
الإحباط، وهو عكس الأمل، حالة شعورية تطرأ على الشخص حين يتعرض لضغوط لا يستطيع مواجهتها تؤدي به إلى التوتر والاستسلام والشعور بالعجز، ما يؤدي به إلى الانسحاب إلى عوالم تبعده عن واقعه أو الانطواء تماما عن الآخرين.
ولا شك أن ما نتعرض له اليوم وخصوصاً الشباب من رسائل إعلامية تظهر الانحدار والتخلف والظلم والقتل والفرقة والضعف في العالمين العربي والإسلامي، وما ترتب على ذلك من ردود أفعال شعبية متطرفة توشحت الإرهاب باسم الدين وما يدعمها من إعلام وإعلام مضاد يتسمان بالتطرف والحدة والتعصب للرأي واحتقار للرأي الآخر والكذب الفج المزدري للعقل والمنطق، أقول لا شك أن كل ذلك يعزز الإحباط ويدعو للاعتزال والتوجه لما يلهي أياً كان، خصوصاً ونحن نرى التفوق الغربي الذي تبعه تفوق كثير من الدول الآسيوية بشكل متسارع في حين ما زلنا نقبع في صفوف المسرفين في الاستهلاك والقلقين من المستقبل.
نفوس شبابنا بشكل عام وبدعم من الفكر الإسلامي المكون الرئيس لثقافتنا المسنود بالموروث العربي ترنو للمنازل الرفيعة في جميع المجالات، ولكوننا فشلنا في ذلك مقارنة بالدول المتقدمة تسلل الإحباط واليأس لنفوس كثير منا من المنافسة على القمم، وتأثرت عقولنا بذلك بشكل كبير خصوصا شبابنا، الأمر الذي دفع ببعضهم ليشاركوا في صناعة الموت بدل صناعة الحياة والأمل وباتوا يشكلون نسبة لا يستهان بها من الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية استشهادية كما يسمونها أو يشجعون عليها أو لا يستنكرونها في أحسن الأحوال في ساحات لا يعرفون أجنداتها.
من ظواهر الإحباط التي نراها على شبابنا القلق والضجر واليأس والشعور بالتشاؤم من إمكانية النهوض وتمكين الشباب من أسبابه وأسباب العزة والقوة والتقدم، وهو الأمر الذي جعل معظمهم وللأسف الشديد أصبح كثير منا يرى القرارات والأشياء والإنجازات من حولنا مهما كانت جيدة ومبشرة بل ومتميزة أيضا، بنظارة سوداء، فأصبحنا نشكك في كل إنجاز ونضخم "فشل" كل محاولة غير موفقة بشكل لا يطاق، وأصبح من يثني على جهود وإنجازات الدولة ونجاحاتها لا يحظى بالرضا والجماهيرية ومن ينتقدها بحدة ويشكك بجهودها ومشاريعها يحظى بهما.
يجزم البعض بأننا بتنا نميل للتشاؤم والكآبة لدرجة لا نستطيع معها التعاطي مع حالات الفرح والسرور بالنجاح والسداد، وأصبح لدى بعض شبابنا الرغبة في اختصار الطريق والوصول للسعادة الأبدية في الآخرة بالتخلص من الحياة بأسرع وقت في أي ساحة يبدو لهم أنها ساحة حرب بين الحق والباطل، ولذلك يقبل بعض شبابنا على الانتساب للجماعات الإرهابية رغم تحذير الحكومة من أجنداتها للوصول للجنة كغاية نهائية من خلال المشاركة في طلائع الاستشهاديين، كما يظهر لنا من خلال الإعلام الاجتماعي.
تقاس نوعية الحياة الخاصة بكل إنسان بنوعية أفكاره، والأفكار الإيجابية تؤدي إلى الحياة الإيجابية، ولذلك نحن بحاجة كبيرة لتحويل أفكارنا وأفكار شبابنا نحو الإيجابية، وهو أمر ليس بالهين أو السهل في ظل ما يبثه الإعلام من مآس وحروب من حولنا إلا أنه ليس مستحيل، وعلينا أن نشرع بذلك فوراً لإشاعة التفاؤل والأمل بين شبابنا بإمكانية صناعة الحياة ومشاركة العالم بناء الحضارة الإنسانية والتفوق في ذلك في شتى المجالات، وتبينان الفرص والمجالات المتاحة لهم للسير في طريق صناعة الحياة وما وفرته الدولة لهم للسير في هذا الطريق المحمودة عواقبه في الدارين.
نعم علينا أن نخرج شبابنا من دائرة التشاؤم والبحث عن الشوك في الورود وتعمد الحط من قدر بلادنا وإمكاناتها وإنجازاتها وتطلعاتها، ومن حالة الانتقاد السلبي المقزز والمحبط لكل مشروع أو منجز أو قرار، وأن نوضح لهم مخاطر تشويه سمعة الوطن والمواطن وبث روح الفشل والتشاؤم وروح الكراهية والتعصب والعنصرية والإساءة للآخرين وانتقاص منجزاتهم.
كيف لنا ذلك؟ أعتقد أننا ــ مع الأسف الشديد، ومن حيث لا نعلم ــ استدرجنا لساحة سوداوية بحيث أصبحنا نتحدث عن الإرهاب أو اللا إرهاب، الكراهية أو عدم الكراهية، العنصرية والتعصب أو عدمهما وفي حالتي النعم، واللا تدور عقول شبابنا في ساحة السلبية، وبالتالي علينا أن نعيد مسارنا الاستراتيجي في التواصل مع الشباب إلى ساحة أخرى تماماً وهي ساحة العمل والأمل والتفاؤل والتفوق والمحبة والعطاء والتعايش.. إلى غير ذلك من الكلمات المحفزة التي تشيع الروح الإيجابية خصوصاً، ونوضح لهم ما نعيشه من مرحلة تنموية غير مسبوقة على جميع المستويات تحقق لبلادنا وشبابنا من الإنجازات ما تحلم به الدول المجاورة الأخرى.
من لديه الأمل لديه كل شيء والإنسان المتفائل لديه أمل والقدرة على يكون إنساناً قوياً منتجاً قادراً على التعاطي الإيجابي مع المعطيات والظروف وتخطي الأزمات وتغيير الوضع من حوله، وصناعة الأمل تحتاج إلى أرضية قوية من ثقافة التفاؤل والمقدرة على التغيير والتجاوب مع معطياته، إضافة إلى القناعة، وهذا ما نريد أن نزرعه في نفوس شبابنا.
ختاماً صناعة الأمل تتطلب إرادة عليا مدعومة بإرادة النخبة المؤثرة ثقافيا وهي مسؤولية جماعية تتكاتف فيها كل مؤسسات المجتمع وأفراده كل من موقعه، والأمل يأتي من فهم التضاد الموجود فينا ومن حولنا حيث لا نجاح مطلقا أو فشلا مطلقا وإنما توكل على الله وبذل للأسباب، فمن يرفع راية صناعة الأمل والتفاؤل في بلادنا لتطغى على روح الإحباط والتشاؤم؟