رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


كفاءة الطاقة ركيزة الاتحاد الأوروبي

مستقبل الطاقة مرهون إلى حد كبير بتحسين كفاءة استخدام الطاقة أو كما تسمى أحيانا "الوقود الخفي". على الرغم من صعوبة وضع مقياس محدد لتحديد كفاءة الطاقة كما هو الحال في تحديد مستويات الاستهلاك والعرض، إلا أنها باتت اليوم تستخدم كأداة من أدوات سياسات الطاقة الجديدة للحكومات. في هذا الجانب، كشفت المفوضية الأوروبية في 23 من تموز (يوليو) عن مقترحات تهدف إلى توفير استخدام الطاقة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030، مدعية أن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد على تحقيق أهداف المناخ للاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه يحسن من أمن إمدادات الطاقة عن طريق تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي.
إن اعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة من روسيا بدأ يأخذ حيزا كبيرا في الأجندة السياسة مع بدء استعداد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توسيع نطاق العقوبات المحدودة المفروضة على روسيا بعد حادثة طائرة الخطوط الجوية الماليزية فوق أوكرانيا. في الوقت الحالي لا تستطيع أوروبا استهداف قطاع الطاقة في روسيا بصورة مباشرة، حيث إن روسيا تقدم أكثر من ثلث واردات النفط الأوروبية و40 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي وأنه سيكون من المستحيل إيجاد بدائل ليس فقط على المدى القصير، بل حتى المتوسط.
لكن على المدى الطويل، يحرص الاتحاد الأوروبي على إرسال رسالة مفادها أنها يمكن أن تقلل من الاعتماد على واردات الطاقة بصورة عامة ومن روسيا بصورة خاصة. في هذا الخصوص تشير المفوضية الأوروبية إلى أنها قد تتمكن من تحقيق أهدافها المقترحة بخصوص المناخ بخفض انبعاثاث الغازات الدفيئة بنسبة 40 في المائة عن مستويات عام 1990 بحلول 2030 مع توفير استخدام الطاقة بنسبة 25 في المائة مقارنة مع السيناريو المرجعي. لكن المفوضية اختارت هدفا أعلى لتوفير الطاقة (30 في المائة) لأنها تريد المزيد من الخفض، وأيضا لتحسين أمن إمدادات الطاقة في قطاع الغاز بسبب الوضع مع روسيا وأوكرانيا. إن هدف الاتحاد الأوروبي توفير استخدام الطاقة بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2030، يشكل الجزء الأخير من حزمة تشريعات المناخ والطاقة المقترحة للاتحاد التي سيتم مناقشتها من قبل الدول الأعضاء في تشرين الأول (أكتوبر). تعتبر حزمة التشريعات هذه امتدادا للأهداف المعمول بها حاليا لتحقيق وفورات في استخدام الطاقة بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2020.
تستهدف التدابير المقترحة لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في الاتحاد الأوروبي في القطاعات التي لم يتم تضمينها في نظام الاتحاد لتداول الانبعاثات، التي تغطي فقط نحو نصف انبعاثاث غاز ثاني أوكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي. لكنها حتما ستؤثر على أسعار تراخيص الانبعاثات. هذا وقد رفض الاتحاد مقترحات أكثر طموحا بتحقيق وفورات في الطاقة تصل إلى 40 في المائة، يعود السبب جزئيا لأن هذه المستويات قد تضر بنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. حيث تشير تقييمات المفوضية الأوروبية إلى انخفاض أسعار تراخيص الانبعاثات إلى ستة يوروات للطن في عام 2030 في سيناريو 40 في المائة وفورات، مقارنة مع 25 يوروا للطن تحت سيناريو 30 في المائة وفورات.
على ما يبدو أن الاتحاد الأوروبي مهتم أكثر بفرض ضرائب عالية على الكربون من خفض الانبعاثات أو تحقيق وفورات أعلى في استخدام الطاقة.
في جميع السيناريوهات التي درستها المفوضية، المتضرر الرئيس هو الطلب على الغاز الطبيعي. حيث إن معظم الجهود ستوجه نحو تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني، إما عن طريق العزل أو تحسين معايير البناء. هذا سيؤدي إلى خفض استهلاك الغاز الطبيعي بصورة أكبر من باقي أنواع الوقود، ذلك أن الغاز يستخدم على نطاق واسع لأغراض التدفئة في أوروبا. في سيناريو 30 في المائة وفورات، سينخفض استهلاك الغاز بنسبة الربع مقارنة مع 10 في المائة للنفط و8 في المائة فقط من استهلاك الفحم. تشير المفوضية أيضا إلى أن أي تحسين إضافي في الكفاءة بنسبة واحد في المائة، سيخفض واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز بنسبة 2.6 في المائة، أي خفض اعتماد الاتحاد على الموردين الخارجيين خصوصا روسيا.
لكن السيناريوهات المعتمدة تكشف أيضا عن بعض النتائج السلبية بالنسبة للاتحاد. مثل ارتفاع كثافة الكربون وحصة الفحم في قطاع توليد الطاقة الكهربائية عند خفض استهلاك الطاقة. يعود السبب في ذلك لابتعاد السياسات المعتمدة عن نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات، وضعف الدافع في التحول إلى استخدام وقود بديل إذا انخفضت أسعار تراخيص الانبعاثات.
في هذا الجانب، يشير العديد من المختصين إلى أن الحوافز القائمة على آلية السوق مثل سعر الكربون أو الضرائب تعتبر السبيل الأكثر فعالية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن الواقع على الأرض أكثر تعقيدا من ذلك، حيث إن هناك العديد من المعوقات المالية والمؤسسية والسلوكية ينبغي التغلب عليها أولا، لهذا السبب يتعين على الحكومات اتباع سياسات توفير الطاقة.
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن نحو ثلثي الفرص الاقتصادية المتاحة لتحسين كفاءة الطاقة، خاصة في المباني، لا تزال غير مستغلة. في تقريرها الأخير عن توقعات استثمارات الطاقة العالمية تشير الوكالة إلى أن الاستثمارات العالمية التراكمية في كفاءة استخدام الطاقة للفترة من 2014 إلى 2035 في إطار سيناريو 450، تتجاوز الاستثمارات في مجال إمدادات النفط والغاز للفترة نفسها. التحدي الذي يواجه صناع القرار والحكومات هو تحقيق التوازن الصحيح بين حوافز السوق والقواعد والنظم. وفي نهاية المطاف المخاوف بشأن أمن إمدادات الطاقة هي التي قد تملي القرارات. الغاز الطبيعي بصورة خاصة أكثر عرضة للتحولات في النظم والقواعد لأنه يتطلب استثمارات ضخمة في خطوط الأنابيب ومحطات التحميل التي تتطلب عقودا طويلة لاسترجاعها. إذا ما نجحت أوروبا في الحد من اعتمادها على الغاز، فإن صناعة الغاز ستتحول حتما إلى الاستثمار في أماكن أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي