راعية البسطة

هي زوجة محبة، وأم حنون، متفانية في خدمة أسرتها، وفي الوقت نفسه هي طباخة ماهرة، تجيد صناعة الأكلات الشعبية والوجبات السريعة، أي أنها تملك تلك العين التجارية الخبيرة التي تدفعها لإرضاء جميع الأذواق. حين تزوجت قبل 20 عاما.. دفنت موهبتها لتتمكن من رعاية أطفالها الأربعة الذين أنجبتهم "وراء بعضهم"، وانشغلت معهم وبهم، حتى أصبح أكبرهم في الـ 20 من عمره وأصغرهم في 14.
كان الضيوف حين يزورونهم يدركون جيدا أي مائدة شهية تنتظرهم من تحت يدي "أم سعود"، ولذلك تعودت على سماع كلمات المديح وهي تنهال على أذنيها، بسبب أطباقها ذات النكهات الفريدة.
حين شعرت أن أبناءها أصبحوا يعتمدون على أنفسهم بشكل كبير، وأيضا زادت متطلباتهم المادية، فاتحت زوجها برغبتها في البدء بتنفيذ حلمها القديم، وهو إعداد الأطعمة وبيعها، ولأنه يدرك موهبتها العظيمة فقد ساندها بكل قوة، وأبدى لها دعمه الكامل، لكنها فوجئت بموقف أبنائها المعارض، حيث كان عذرهم الوحيد "وش راح يقولون زملاءنا لو دروا أن أمنا طباخة وراعية بسطة"، وبفطنتها لم تطل النقاش معهم، لأنها أدركت أنهم كانوا يتحدثون وهم مندفعون بلغة المجتمع، الذي يحارب الناجحين في البدايات، ويصفق لهم عند النهايات، ولكنها كانت مؤمنة بأنه سيأتي يوم يقتنعون فيه بأهمية العمل الشريف، بغض النظر عن تقييم الآخرين المجحف.
أنشأت "أم سعود" صفحة لها في "تويتر" و"فيس بوك"، وعرضت فيها طبخاتها الشعبية والسريعة، واستعدادها لتجهيز البوفيهات، ووضعت قائمة بالأسعار، إضافة إلى أنها بدأت في عرض "طبخاتها" بشكل يومي في إحدى الأسواق من الساعة الرابعة عصرا إلى العاشرة ليلا، كان ابناها الكبيران يتناوبان يوميا توصيلها للسوق، والخجل يعتريهما من أن يراهما أحد من رفاقهما، بعد أربع سنوات من بدء مشروعها الجاد، استطاعت "أم سعود" أن تدخر مبلغا يتجاوز مليون ريال في حسابها، مما مكنها وزوجها من شراء منزل صغير في أحد أحياء الرياض.
الجميل في الأمر ليس فقط امتلاكهم المنزل بعد كل هذه السنوات، بل تغير تلك النظرة المتشنجة من قبل أبنائها نحو عملها الجاد، بل ومساعدتهم لها بكل همة، دون أن يلتفتوا يمينا وشمالا، خوفا من رؤية أحد أصدقائهم.
وخزة
بعض الأمور حتى تنضج بشكل جيد تحتاج إلى بعد نظر وهدوء وحكمة، فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات وتعثرها!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي