يريد أن يدخر ولكن..
«عصام» إنسان ناجح ولكنه حريص حد التقشف! بمثل هذه العبارات نخلط ــــ عندما نقيم الآخرين ــــ بين عدة مفاهيم متفرقة مثل البخل والتقتير والزهد والحرص وربما الادخار كذلك، وتصبح المشكلة أكبر عندما نواجهها بأنفسنا من قبل الآخرين. عصام موظف شاب ولديه عدة دوائر نشطة من حوله، مجلسه الأسبوعي وأصدقاؤه في العمل وأسرته الصغيرة ووالداه وأبناء عمومته. يريد عصام أن يبدأ برنامجا ادخاريا طويل الأجل يغير به من أسلوب حياته ليحقق مجموعة من الأهداف والأحلام. ولكن جميع من حوله لهم آراء أخرى. أحدهم يريده أن يستثمر في العقار وليس الأسهم، وهناك من ينصحه بالذهب فهو أكثر أمانا. وآخر يمتدح بناء المسكن كأسلوب للادخار والاستغلال المزدوج ولكنه يقول له في الوقت نفسه: دعك من البخل وسافر واستمتع قبل أن تذهب صحتك وتصبح أموالك بلا قيمة!
يشعر عصام أن هناك من يراقب مستوى دخله ويتدخل في أسلوب إدارته لشؤونه المالية، من ملاحظاتهم على مشترياته ومشتريات أسرته وحتى تعجبهم من عدم قيادته لسيارة توازي مستواه الوظيفي.
مجتمعاتنا لا تخلو من التصرفات السلبية كالتدخل في شؤون الآخرين وعدم التردد في إبداء الرأي ولو كان في غير محله. ومع أدوات الإدارة المالية التي تعتبر جديدة نسبياً، كالادخار طويل الأجل، تصبح هذه التدخلات مؤثرة وتستحق الحذر. هناك من يتدخل ويقلل من أهمية هذه السلوكيات ــــ وقد ينتقدها بشدة ويسخر منها ـــ لأنه لا يعرفها جيداً أو لم يعتد عليها بعد. لذلك لابد من الاستعداد ومحاولة تفادي هذه التدخلات وتقليل أثرها حتى لا تصبح بداية التخطيط المالي، وخياراتنا الادخارية، خاطئة.
من المهم وجود استراتيجيات وقائية لكل فرد تحافظ على مشاريعه الفردية والأسرية من التدخلات والتخريب، سواء كانت بقصد أو بغير قصد. يزداد الأمر أهمية إذا عرفنا أن هناك من الأشخاص والمواضيع ما يصعب تجاهله، لهذا لا بد من وجود درجة معقولة من التسديد والمقاربة وذكاء العلاقات على مستوى الدوائر التي نتواصل خلالها مع الآخرين.
بطبيعة الحال يجب ألا يعرف الآخرون كل التفاصيل الخاصة بأسلوب أو حجم الادخار الذي نحاول القيام به. من الاستراتيجيات الملائمة لتجاوز الأسئلة المحرجة أو تداعيات الحديث استهلاك موضوع محدد كل مرة عند الحديث مع الآخرين وتكرار ذلك مع الاعتماد على مبدأ "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" بالنسبة لبقية الجهود الادخارية.
عند التدخل الشديد والمباشر من قبل أحد الفضوليين يمكن دائما سؤال هذا الفضولي عن أسلوبه الذي يستخدمه للادخار وتحويل محور الحديث باتجاهه، على الأرجح سيقوم بتغيير الموضوع. من الحلول الأخرى كذلك سؤاله عن بعض الإثباتات الموضوعية أو الأرقام وتأجيل النقاش لحين إحضارها.
عندما نستشير من يستحق أو نتعرف ــــ بالقراءة مثلا ــــ على أفضل النصائح والسلوكيات المالية التي تناسبنا، نجد ما يؤيد تصرفاتنا ويكسبنا الثقة، بل يشكل لنا حاجز وقاية من انتقاد ومعارضة الآخرين. جلوس شخص مثل عصام مع مستشار في التخطيط المالي سيجعله على ثقة بخططه الادخارية وترتيباته الخاصة بأسرته. عندما نحاول ترتيب أمر لنحصد نتيجته بعد عشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة نقوم بترتيبات استراتيجية مهمة لا يجب أن تتأثر بأحاديث عابرة أو قصص منقولة.
يكمن جوهر اللياقة الذاتية في قدرتنا على السيطرة على أموالنا ومداخيلنا دون أن نخسر علاقاتنا مع الآخرين. لا يجب أن ندع آراء الآخرين اللاعشوائية دليلا ونبراسا لأفكارنا ومخططاتنا، وفي الوقت نفسه لا يشكل الهرب من الناس حلا لتجنب أسئلتهم وأحكامهم الجائرة، بل مواجهتها ــــ وربما المناورة اللطيفة في بعض الحالات ــــ هي أفضل ما نقوم به.
نحن لسنا مطالبين بالتبرير ونفي ارتباط سلوكياتنا الادخارية بالبخل لأي أحد، وينبغي ألا تؤثر رؤيتهم المختلة أو الناقصة على سلوكياتنا. إن تمكنّا من مساندتهم بالتوعية والنصح ومشاركة التجارب فهذا خير عظيم، وإن لم نستطع فالتجاهل المشذب باللين والمقاربة هو سيد الموقف، المهم أن ندخر!