غزة: من يحارب عنا بالوكالة؟
على غلاف عدد النيوزويك الأمريكية فتاة بشعر أسود وبشرة حنطية تحمل حقيبتها الكبيرة، وكأنها على سفر طويل. الفتاة الحنطية تعبر عن بنت يهودية. والصورة الانطباعية عن اليهود في الغرب أنهم حنطيون وشعرهم أسود.. وهنا مفارقة أنثربولوجية، فمعظم من يحكم إسرائيل والأقوى في العالم هم يهود بيض، وهذا يثير مسألة كبرى في أصل وجوهر الفقه اليهودي من الناحية الإثنية الدينية، فالدين اليهودي يقطع حكما بأنهم شعب اختارهم الله بعينهم، وعليه فهم لا يبشرون بدينهم، بل يحرمون ذلك. ولا يتزاوجون مع غير العرق اليهودي، فمن أين أتى الشُقْرُ والسودُ إذن؟! هذا ليس موضوعنا اليوم، وأثارته صورة البنت اليهودية على غلاف المجلة الدولية الأمريكية النيوزويك.. طيب، لماذا البنت تحمل حقيبة سفر؟ وعلى الغلاف كلمة في "سَفـْر الخروج "Exodus وأترجمها من لفظها السَّفْري الديني: الهروب العظيم. سنعود لذلك.
وفي «الصانداي تايمز»، وغيرها من كبريات الجرائد البريطانية خلال عطلة الأسبوع الماضي ركزت على الهجوم الذي يتزايد على اليهود في بريطانيا، وركزت صحف ألمانيا على تصاعد الكراهية والاعتداءات على اليهود في ألمانيا، وفي فرنسا سجلت «اللوموند» تضاعفا في الكراهية ضد السامية أي اليهود. الاعتداءات المتصاعدة تبدأ بحرق السيارات والمعابد اليهودية ولا تنتهي عند الاعتداءات الشخصية على أفراد ومجموعات من اليهود، حتى أن اليهودَ صاروا يغيرون كيبوتزاتهم النمطية والشوارع المعروفة باسمهم في برلين مثلا ويهاجرون منها، بل إن بعضهم وهم ليسوا قليلين قرروا الهجرة من كل القارة الأوروبية فرارا بأرواحهم من العداء المتصاعد ضدهم.. لذا كانت تلك الفتاة الحنطية ذات الشعر الأسود رمزا للهروب اليهودي الجماعي من أوروبا.
نعم هذا يصير وبهذا الحجم. ولن أزيد في اللوم على أنفسنا فلم يفد اللومُ ماضيا ولا حاضرا، ولكن يجب أن يجعلنا هذا الحراك العالمي ضد اليهود وبالذات في أوروبا نعيد صياغة كل وجودنا ووعينا كعرب من ناحية المنطق والشجاعة والتعبير والمشاركة الحية في قضية فلسطين التي أهين اسمنا فيها طويلا.. مع الأسف.
نعود لموضوعنا الأساس. ألاحظتم شيئا في كل عناوين الصحف ووكالات الإعلام أنهم يقولون "ضد السامية"، وهذا هو الاصطلاح الذي اخترعه اليهود للدلالة على أنفسهم كعنصر، أي كيهود، وليس كدولة إسرائيل. هذا يعني أن العداء المستشري في أوروبا حاليا باعتراف الصحف الغربية الأوروبية كلها تقريبا هي كراهية ضد اليهود عموما وليس ضد الإسرائيليين أو إسرائيل خصوصا، وهذا الذي جعل المراقبين المجتمعيين يسجلون اختفاء ملحوظا للزي الديني اليهودي في شوارع أوروبا هلعا من الاعتداء عليهم.
لقد بيعت علينا طويلا مسألة أن اليهود غير الإسرائيليين وبلعناها، ووافقنا عليها، وعلي أن أعترف بأن من ينادي بهذا بمنطق أن اليهود قصة إنسانية دينية، أما إسرائيل فهي قصة اعتدائية مجرمة. ليس هنا مقام الخوض في هذا الموضوع الذي استغرَقـَنا عقودا، إلا أن ما يحدث في أوروبا فقد كان واضحا صارما، وهو العداء لليهود وليس فقط إسرائيل.
تنبهت الجماعة اليهودية في أمريكا هذه المرة لهذه المسألة الدقيقة في العداء للسامية التي نادت بها صحف الغرب فردّتْ:"لا، وألف لا. هذا ليس عداء للسامية، العداء للسامية هو مثل اعتداء الجزائري على مدرسة يهودية. هه!".
لم كل هذا التصاعد في عام 2014 الذي لا يقارن بما حدث في عام 2009؟ إنها حرب أعلنت في أوروبا والعالم على إسرائيل (اليهود) لما يجري في غزة.. أمر لم يتقبله الضمير الأوروبي والعالمي.. ولم يقولوا أبدا ولم يخطر لهم أن يقولوا: إيه، تستأهل حماس هي التي بدأت!
حاربوا عنا بالوكالة.