رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من سبق بالشر؟

التبرير الأمريكي للعدوان الإسرائيلي الوحشي ضد الفلسطينيين ليس وليد الساعة، بل جاء ضمن مسلسل مستمر في الاتجاه نفسه منذ عشرات السنين، وهو اتجاه يتولى كبره في أمريكا كثرة في الكونجرس الأمريكي، والإدارة الأمريكية، الذين اعتادوا على تبني الوجهة الإسرائيلية في مناقشة الأحداث. هذا الاتجاه يرى أن الفلسطينيين هم الذين بدأوا باللجوء إلى ما وصف بالعنف، وأن لجوء الفلسطينيين إليه - أيا كان الاسم أو نمط العمل: مقاومة أو عنف أو إرهاب – حتى ولو برمي الحجارة غير مبرر وغير مقبول. وهذا الرفض عام لا يعطي الفلسطينيين أي حق وأي طريق غير طريق المفاوضات، لتحقيق ما يرونه حقوقا لهم، أو لإيقاف التعديات الإسرائيلية.
في إطار الانحياز الغربي عامة والأمريكي خاصة لإسرائيل جاءت خطب وأحاديث ساسة غربيون ينتقدون فيها الفلسطينيين على استعمال ما أسماه بالعنف وعلى استعمال وسائل مؤدية إلى إحداث رعب وقتل في الإسرائيليين، دون أن يقابلها نقد للإسرائيليين لا يقل عن الأول حدة على تصرفاتهم الجائرة المستمرة عبر السنين، ودون أن يشير إلى أي ارتباط سببي بين سلوك الإسرائيليين السابق، وسلوك الفلسطينيين اللاحق، وكأني بهم لا يعترفون بمبدأ السببية الذي قامت عليه الحضارة، أو كأنهم يقولون سنغض الطرف عن تصرفات الإسرائيليين المخالفة للقرارات الدولية في الأراضي المحتلة عام 1967، وفي بعض القضايا سنساند تصرفاتهم بما يساعدهم على الحصول على تنازلات عندما تجيء ساعة المفاوضات بينما على الفلسطينيين الرضوخ واللجوء فقط إلى المفاوضات. وهي مفاوضات ينقصها حد مقبول من التكافؤ بين الطرفين المتفاوضين، لأن أحدهما تحت احتلال وهيمنة الطرف الآخر.
يحدث هذا رغم إيمان ومناداة تلك القوى بالعدل وحقوق الشعوب، وحقوق الإنسان، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو قيمه وحضارته وطريقته في الحياة، أو مدى إيمانه بالقيم التي يؤمن بها المنحازون، ورغم علمها أن بناء المستوطنات، وتغيير معالم وتهويد وضم القدس الشرقية، وهدم ومصادرة العقارات وغيرها من التصرفات الأحادية تعد أعمالا غير مشروعة وهي قد بدأت قبل انتفاضات الفلسطينيين، وحدثت بدون مفاوضات، أو اعتبار لرضا أو عدم رضا الطرف الآخر، أو حتى الدول الأخرى. يحدث هذا رغم أنه لا يستند إلى مبدأ رعاية مصالح أمريكا في المنطقة، وهي مصالح يبدو أن أمريكا تسعى إلى تكييفها بما لا يتعارض مع مصالح إسرائيل. مواقف الكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية تجاهلت لجوء الإسرائيليين قبل الفلسطينيين إلى التصرفات الأحادية مدعومة بالقوة والإذلال، والقهر، والإرعاب بدلا من المفاوضات، طيلة ثلاثة عقود ونصف لتحصيل ما يرونه حقوقا لهم في الأراضي المحتلة عام 1967، وقبل الوصول إلى حل مع الفلسطينيين.
بما أن الكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية يطالبون الفلسطينيين باللجوء إلى المفاوضات فقط لتسوية الخلافات السياسية، فإن من حقنا أن نثير معهم بقوة قضية تجاهلهم عبر ثلاثة عقود ونصف لمطالبة الإسرائيليين باللجوء إلى المفاوضات فقط لتسوية قضايا الاستيطان وتبعية القدس الشرقية وغيرها من تصرفات يفترض أن تترك للمفاوضات.
وبما أن الكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية يقرون بحق الدفاع عن النفس، فإن من حقنا أن نسألهم هل هذا الحق لطرف دون طرف؟ ماذا بشأن حق الدفاع عن قائمة طويلة من الحقوق الإنسانية التي انتهكتها وتنتهكها إسرائيل؟ إلى حين الوصول إلى حل مرض للطرفين فإننا نريد منهم أن يرشدونا عن الوسيلة الفعالة التي يمكن للفلسطينيين أن يلجأوا إليها لإيقاف تلك الانتهاكات.
يمكن تفهم مواقف الكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية الداعمة لإسرائيل لو كانت هناك طرق أخرى فعالة كانت لها قدرة على منع التصرفات الإسرائيلية الأحادية، يمكن تفهم موقفهم ويمكن عذرهم لو كانوا يقومون عبر العقود الثلاثة والنصف الماضية بخطوات عملية قوية أو واضحة الأثر لمنع الإسرائيليين من قائمة طويلة من الانتهاكات قبل الوصول إلى حل عبر المفاوضات. ولكن أنى لصانعي القرار في أمريكا أن يفعلوا ذلك وهم يتصرفون أحيانا بما شجع ويشجع إسرائيل على التصرف الأحادي بدون مفاوضات، وبما يخل في النتائج المتوقعة من المفاوضات لصالح الطرف الإسرائيلي. أنى لهم أن يفعلوا ذلك وهم أسرى أفكارهم الدينية وأسرى اللوبي اليهودي، مقابل أوضاع عربية وإسلامية بالغة السوء.
بما أن أمريكا تغض الطرف بل أحيانا تشجع الإسرائيليين على تصرفاتهم الأحادية وبعضها يعتبر جرائم، ليس في نظر الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين فقط بل يراها جمهور المجتمع الدولي كذلك أيضا، فإنني على قناعة تامة بأنه من الوهم التصديق بأقوال المسؤولين الأمريكيين أن دولتهم تسعى إلى سلام يحقق تطلعات الطرفين، فضلا عن أن يكون سلاما عادلا، بل هي تسعى إلى سلام يحقق تطلعات الإسرائيليين قبل الفلسطينيين. وهذه القناعة أكدها ما حدث في مفاوضات كامب ديفيد فترة الرئيس كلينتون، وما تلاها من ردود فعل أمريكية تبنت الموقف الإسرائيلي في تضليل الكثيرين بما أسموه عرض باراك السخي، وما هو بسخي. وأخيرا زادتها الأحداث الأخيرة تأكيدا، وهي أحداث لا أجدني محتاجا إلى بيانها. ولذا فإنني أرى أن يصر العرب والفلسطينيون على الأخص إصرارا تاما – مثل إصرارهم على قيام دولة فلسطينية - على مشاركة أطراف أخرى أقل انحيازا من أمريكا في رعاية كافة مراحل المفاوضات وبفعالية. كيف يتحقق ذلك؟ كيف يكون فعالا، وليس مجرد كلام؟ قضية جوهرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي