رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف يطيق العرب تحمل «الوضع الراهن»؟

سيصاب أي باحث أو محلل أو عالم أو فيلسوف نزيه بالإحباط الشديد عند محاولته فهم ما يدور في المنطقة المعروفة جغرافيا وسياسيا بـ «الشرق الأوسط».
ومصطلح «الشرق الأوسط» مبهم شأنه شأن مصطلح «الغرب» أو «العالم الغربي». فهناك من يربط الشرق الأوسط بـ «العالم العربي» وهو مصطلح مبهم آخر من الصعوبة بمكان تعريفه أو تحديده.
وهناك الكثير من المصطلحات التي نستخدمها بكثرة ونتصور أننا على بينة منها ولكننا في واقع الحال لا نعرف عنها إلا النزر اليسير.
خذ مثلا التسميات الدينية. هل باستطاعتنا القول إننا حقا ندرك ماهية مصطلحات مثل «الإسلام» أو «المسلم» أو «المسيحية» أو «المسيحي؟»
لنستعين بفلاسفة العلوم الاجتماعية الذين يحاولون جهدهم تفسير الواقع الاجتماعي لنا والولوج إلى خباياه لتفكيك ما هو ليس غامضا ومظلما فقط بل تسليط الضوء عليه كي نراه بأم أعيننا ونستفيق ونستفيد ونحسن أنفنسا وحياتنا.
«المسيحية» في الظاهر تشكل دينا واحدا، بينما هؤلاء الفلاسفة يقولون لا المسيحية ولا الإسلام ولا أي دين كبير آخر ممكن تعريفه على أنه دين واحد ولا يجوز تعريف الأتباع منطقيا وعلميا على أساس الدين الواحد.
ولهذا الذين يقولون إنهم مسيحيون غالبا ما يربطون أنفسهم باسم المذهب أو الطائفة أو الكنيسة أو الكرسي أو الرأس الأعلى لهم ويأتي الدين (المسيحية) في المرتبة الأدنى لديهم ويفتخر الكل تقريبا بانتمائه المذهبي أو الطائفي فهذا إنجيلي وهذا أرثذوكسي وهذا لوثري وبروتستنتي وهذا كاثوليكي وهذا مونوفيزي وهلم جرا. والأقوياء بينهم ينفقون المال دون حساب من أجل كسب الآخرين (من المسيحيين) إلى مصطلحهم ومذهبهم وطائفتهم. وفي الماضي القريب وليس البعيد حدثت فظائع مهولة بسبب الخلاف، فيما نراه أنه دين واحد، عاناها المسيحيون في المشرق معاناة كبيرة.
والذين يقولون إنهم مسلمون غالبا ما يربطون أنفسهم باسم المذهب أو الطائفة أو المرجعية التي يتبعونها ويأتي الدين (الإسلام) الذي يجب أن يترفع عن خلافات كهذه في المرتبة الأدنى. ولأن الشرق الأوسط الذي يضم أغلب الدول العربية يمر في مخاض عسير يقترب في كثير من تفاصيله ما مرت به المسيحية في القرون الوسطى في أوروبا، صار الانتماء إلى المذهب أو الطائفة أو المرجعية هو السائد.
ليس هذا فقط بل صارت هناك تقاسيم وإفرازات ومخاصصات وتيارات ضمن المذهب أو الطائفة نفسها لا يطيق اتباعها تحمل وجود ليس المختلف دينا بل حتى المختلف في النظرة إلى ذات والطائفة. (بالطبع نحن الشغوفون بدراسة الحضارة العربية والإسلامية من خلال خطابها نقف مشدوهين ومرتبكين أمام الأحداث الجارية في الشرق الأوسط لأن الإسلام الذي نعرفه يجب أن يتعايش بسهولة ويسر ومحبة وتسامح مع المختلف عنه، اللهم إلا إن كانت قراءتنا في غير محلها وشخصيا لا أظن ذلك).
والفرز المذهبي والطائفي حسب التفسير أعلاه لم يعد محصورا بين فئات المجتمع غير المثقفة أو المتعلمة أو المنفتحة، وهنا تكمن خطورة الوضع. الفرز السلبي صار مثل النسخ يصعد وينزل في المجتمع العربي والإسلامي الشرق أوسطي ودخل أروقة العبادة وأروقة السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام وتقريبا في كل مناحي الحياة وصار تقريبا الحكم والمحك في كل حدث صغير وكبير في حياة العرب والمسلمين.
وبناءً عليه أصبحت المواقف العربية متباينة متباعدة وهي في صراع دائم وانشقاق مستديم، حيث صار الاتفاق والوفاق حول قضية مصيرية قد تكون خسارة الصراع والمعركة فيها بمثابة كارثة ربما لن تفيق الأمة من هولها وتأثيرها لعقود وقرون شبه مستحيل. وكل هذا بسبب الفرز الذي ذكرناه أعلاه، أي لا يكتفي أن تكون مسلما أو عربيا أو حتى سنيا أو شيعيا، بل يجب أن تكون مثلي، وإلا فإنني مخاصمك وواقف ضدك حتى وإن ذهبت أنت ومن معك (والكل مسلمون وعرب) إلى الجحيم.
حقا إنه وضع لا يطاق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي