إرث براعة بلير يكمن في الهيمنة الانتخابية لا السياسية

إرث براعة بلير يكمن في الهيمنة الانتخابية لا السياسية
إرث براعة بلير يكمن في الهيمنة الانتخابية لا السياسية

تمر هذا الأسبوع الذكرى العشرين لتولي توني بلير زعامة حزب العمال. ماذا لو أن ذلك الحدث، الذي ميّزه رئيس الوزراء الأسبق بخطاب يوم الإثنين، لم يحدث؟
باعتباره محامياً شاباً لديه آراء سياسية غامضة في السبعينيات، لربما بقي في النقابة وجعل زوجته الأكثر ثقة فكرياً، تترشح للبرلمان.

أو ربما كان قد قرر الانتماء مثل والده، إلى حزب المحافظين. لقد ارتاد واحدة من أبرز المدارس الخاصة في البلاد، والكنيسة التي ينتمي إليها الآن، والموجودة منذ فترة طويلة، لا تزال تُعرف باسم: "حزب المحافظين على الصلاة".

بدونه، كان سيكون بوسع حزب العمال الفوز بالسلطة في عام 1997، لكن ربما ليس في الأعوام الـ 13 من السلطة المطلقة، التي تلت ذلك. كان اهتمامه بأوروبا لا يُقارن بأي أمل لقيادة حزب المحافظين، لكن ليس من الصعب تصوّره في دور ناجح كوزير مالية أو وزير تعليم.
عند هذه النقطة، ينتهي تماماً التاريخ المُغاير بالكامل.
من الصعب تحديد السبل الأخرى التي قد تكون فيها بريطانيا مختلفة إلى حد كبير، بدون الفترة التي أمضاها بلير في أعلى المناصب. هذا ليس لأنه كان رئيس وزراء سيئاً، بل لأنه كان جيداً بالطريقة نفسها التي كان فيها هارولد ماكميلان، سلفه السابق من حزب المحافظين، قبل نصف عقد من الزمن.
لقد حكم من خلال جزء صغير من التاريخ، يسترعي الانتباه إليه على طول الطريق من وقت لآخر، لكنه لم يقلب بلداً كان يعمل بشكل جيد بما فيه الكفاية.

بحلول التسعينيات، أراد البريطانيون لاقتصاد سوقهم أن يصاحبه تحسين الخدمات العامة، وبلير منحهم بعض التقريب لهذه التسوية. لقد أصبحوا ليبراليين بشأن المسائل الثقافية وقد كانت سياسة بلير علامة على هذا، لكن ذلك ليس مثل إقناعهم بأن يكونوا أكثر ليبرالية في المقام الأول، وهو إنجاز يُنسب إليه في بعض الأحيان بشكل غريب.
كان الدستور بالياً، لذلك مضى إلى تحديثه دون الحاجة إلى تصميم دستور جديد، انطلاقاً من المبادئ الأولى. حتى الإصلاحات "البليرية" في المدارس والمستشفيات كانت تحسيناً على العمل الذي بدأه أسلافه.
البيان الرسمي الذي أصدره حزب العمال في عام 1997 كان تحفة من الحكمة الواقعية والحصافة. وأي شخص كان قد شعر "بخيبة أمل" بعد "وعود بلير الكبيرة" لم يكن منتبهاً لما يجري.
حتى في الشؤون الخارجية، يعتبر إرثه أقل إثارة مما نتصوّر. حيث يتم الآن تذكّر حرب العراق بشكل غريب، على أنها نتيجة لنزوة بلير الشخصية، لكن من الصعب التأكد من أن أي رئيس وزارء آخر قد تواجهه الظروف نفسها، كان ليتصرف بطريقة مختلفة.

على أية حال، إن عدم مشاركة بريطانيا لم تكن لتمنع حدوث الغزو. كما لم يتمكن قط من إدخال بريطانيا في منطقة اليورو. إرثه الحقيقي في الخارج هم الأشخاص في كوسوفو وسيراليون، الذين ما كانوا ليكونوا هنا اليوم، لولا تدخلاته العسكرية.
#2#
لأن بلير كان يقول كلمة "جريء" كثيراً، أصبحنا نعتقد أنه كذلك فعلاً.
في الحقيقة، لقد كان رئيس وزراء تدريجيا، ومكانته في التاريخ لم تنبثق من أي تمزّق في السياسة أو ثورة في الدولة، فمكانته في التاريخ تأتي من حجم نجاحه السياسي.
ربما تبيّن أنه آخِر السياسيين القوميين الحقيقيين: آخِر من ينال الدعم في كل منطقة من مناطق البلاد، وآخِر من يحصل على 40 في المائة من الأصوات الشعبية.
تجزئة النظام الحزبي التي بدأت في منتصف القرن العشرين، عندما كان حزب العمال وحزب المحافظين يشكّلان 97 في المائة من الأصوات، هي الآن الحقيقة الساحقة للسياسات البريطانية.

أحزاب الأقلية زادت، وأعداد غير الناخبين تضاعفت. لقد كانت حكومة الائتلاف عبارة عن بدعة عند إنشائها في عام 2010، لكن مع محاولة الأحزاب وفشلها في الفوز بتحقيق مهام انتداب خاصة بها، يمكن أن يصبح ذلك هو المستقبل.

هذا المأزق مكتوب في أنحاء حملات حزبي العمال والمحافظين للانتخابات العامة كافة التي ستُعقد في العام المقبل. إن حزب العمل لا يهدف، كما يُزعم، إلى نيل 35 في المائة من الأصوات - في الواقع هذا الرقم يمثّل الحد الأدنى المتوقع من الدعم - لكنه أيضاً لا يجهد نفسه لجذب الناخبين الذين ليسوا يساريين بالفعل.

الفوز بأعجوبة على منبر حزب اليسار، مفضّل على الفوز بأغلبية ساحقة لحزب الوسط الذي يتخصص فيه بلير.
حزب المحافظين أيضاً أوقف "التحديث" الذي على نمط بلير منذ بعض الوقت، فقد بدأ يتأمل في أصوات حزب المحافظين التي فقدها لصالح حزب الاستقلال البريطاني، وتكريس موارد الحملات كافة للمقاعد الأربعين التي يحاول استعادتها و40 مقعداً آخر يطمح في الحصول عليها. توقعات الحزب غير الرسمية الأكثر تهوراً، هي الحصول على حصة صغيرة من الأغلبية البرلمانية.

هذا ليس لأن السياسة أصبحت صغيرة، لكن لأن بلير لم يكُن نموذجاً قابلاً للتكرار. كان يملك مواهب خارقة كمحاور ومناظر في ذهن الشعب، التي تظهر في أحد السياسيين مرة واحدة كل بضعة أجيال.

كما أنه حكم أيضاً في حقبة اقتصادية كانت حرفياً جيدة جداً، على نحو يجعلك تستريب في كونها حقيقية: الخيارات المألوفة التي لا تحظى بشعبية بين الضرائب والإنفاق كانت غامضة إلى حد كبير، لمدة عقد من الزمن.

حتى حقيقة أنه لم يأت من أي مكان على وجه الخصوص - لهجته، مثل حياته، كانت عبارة عن جولة في ديرهام، وأدنبرة، وأستراليا وآيسلنجتون - تعني أنه لا يوجد جزء من البلاد قد رآه بشكل غريزي، على أنه "الآخر".

لاحظ مثلاً أنه حكم في عصر قبل السقوط، عندما كانت الثقة بالشخصيات العامة لم تتناثر في جميع الأرجاء، وتختفي بفعل الانهيار المالي. نحن الآن متشائمين ونشعر بالتهكم على نحو يجعلنا لا نتقبل فكرة زعيم يهزم الجميع، ويُصلح كل شيء، وفي النهاية يحيط بكل شيء.

الأكثر قراءة