رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


أكبر مشكلة تواجه العالم: الغباء

هذه مقالة مستقاة من مقال فلسفي نشر في التليجراف اللندنية. في ظل النزعات العاطفية والفكرية والضغوط المعيشية التي تجتاح المنطقة كثيرا ما يصبح النقاش حادا ويضطر الكثير للمبالغة أحيانا أو عدم التفريق بين الرأي الشخصي (أو نقل رأي شخص آخر) وبين الحقائق وحتى المبالغة أو الكذب أحيانا أخرى، والبعض الآخر يوظف قوة الشخصية لتمرير ما يدعي أنه حقائق أو وجهة نظر ضيقة وبعض آخر يسعى لمزيج من معلومات قليلة مع صوت جهوري أو بيان ساحر لإرساء مواقف لعلها تصبح مقبولة. البعض لا يفرق بين الفكرة والمعلومة أو بين الرأي والفكرة وآخرون لا يفرقون بين السياسة كألاعيب وبين السياسة كبرامج عملية متفق عليها. الجامع بين كل هذه الزوايا والنزعات هو مدى الغباء والجهل الذي يتمتع به كل الناس بدرجات وفترات مختلفة وحتى العباقرة أحيانا يقعون في الفخ.
يذكر الفيلسوف هيري فرانكفورت في كتاب له "واحدة من أكبر صفات ثقافة العصر العميقة مدى تكاثر الهراء"، ويقول شلر "ضد الغباء حتى الآلهة تقف في حيرة". سمعنا عن مدير سابق لأحد المصارف الاستثمارية يعترف بأنه يدفع بالموظفين لديه ليشتروا منتجات مالية استثمارية معقدة لا يفهمها. قد يكون الغباء ساهم في أزمة المال العالمية ولكن للغباء مكان لدى الكل في لحظة معينة وقد يتداخل مع النزوة الشخصية ويستمر. يُقصد بالغباء ضعف التحليل المنطقي والإصرار على عادات ذهنية لا تقود إلى قبول المنطق وأخيرا عزوف عن الرغبة في التساؤل حول المسلمات والفرضيات. فمثلا كان الفيزيائيون يقبلون بفرضية أن قلب الذرة لا يمكن أن ينشطر ولكن أتى من تقدم بفكرة سهلة لشطرها وهناك من يقول ياليت العلماء لم يخبروا السياسيين بهذا التطور لكي لا نصل إلى السلاح الذري.
لعل الإشكالية الأكبر أن غباء القرارات الحكومية في الغالب لا ينبع من غباء الأفراد ولكن من ألاعيب النخب وكبار البيروقراطيين لخدمة مصالحهم أو أهدافهم المتناقضة وخصوماتهم التي لا تنتهي. فتجد اقتصادا يعاني من التستر يحاول جاهدا مساعدة المؤسسات الفردية الصغيرة والتي حتما سوف تزيد من التستر، أو محاولة الحد من الاستقدام ومن ثم تنامي الدعم في الاقتصاد للجميع، أو السعي لتوطين الوظائف في القطاع الخاص والسعي لتوظيف أكبر عدد ممكن في الجهاز الحكومي في نفس الوقت. التناقضات تجعل بيئة الغباء مقبولة.
الكفاح ضد الغباء مستمر لدى كل منا ولذلك نحن في حاجة للفلسفة في تركيزها على التحليل المنطقي وكشف الأخطاء الشائعة وانكشاف المسلمات وقبول دور التجربة والنقاش البناء ونقد الذات. الوجه الآخر للتقدم العلمي والاقتصادي وجه ثقافي يقبل بالتسلسل المنطقي بعيدا عن المزايدات والانفعالات والمسلمات. التدرج في طرح النقاش يقود لتقدير واحترام وتقنين سلسلة القيمة المضافة. الصراع داخل كل منا هو نقطة البداية ولكن القدرة الجماعية هي معيار النجاح الحقيقي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي